التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
١٣
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ } يعقوب { إنِّى ليحَزُننى } بفتح الياء عند نافع وابن كثير { أنْ تذْهبُوا } فاعل فى التأويل بالمصدر، أى ليحزننى ذهابكم { بهِ } شدة مفارقته علىَّ وقلة صبرى على غيبته عنى.
{ وأخافُ أنْ يأكُلَه الذِّئبُ } بالياء وصلا، وبالهمز وقفا كذا قال ورش، عن نافع، والبقاون بالهمزة وصلا ووقفا، إلا أن حمزة يسهلها بين الهمزة والياء، وروى عن ابن كثير، ونافع وهى رواية قالون عنه: الذئب بالهمزة وصلا وعاصم وابن عامر بهمزتين وصلا ووفقا، وعن حمزة همزة وصلا، وعن الدورى أن أبا عمرو بن العلاء يهمز وصلا ووقفا، وسمى ذلك الحيوان ذئبا من ذأبت الريح إذا هبت من كل جهة، لأنه يأتى من كل جهة كهيئة من يحارب، وقال فى الذئب للحقيقة، وإنما تخوف أكل الذئب لكثرة الذئاب بأرضهم، وقيل: لأنه رأى فى المنام ذئبا شد على يوسف.
وعن ابن عباس: إنما قال ذلك لأنه رأى فى منامه كأن يوسف على رأس جبل، وكأن عشرة من الذئاب قد شدوا عليه ليقتوله، وإذا ذئب منها يحمى عليه، وإذا الأرض انشقت فدخل فيها، فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام، فخاف لذلك، وظهر تأويلها بعد ذلك بكونهم عشرة، وأنهم أرادوا قتله إلا واحدا منعهم، وأنهم ألقوه فى الجب، وأنه بقى فيها ثلاثة أيام رآهم على صور الذئاب، ورآهم يوسف على صور الكواكب، فيعقوب رآهم بحسب الاهتداء، ويوسف بحسب الخاتمة، لأنهم تابوا، وعن نافع، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تلقنوا الناس الكذب فيكذبوا فإن أبناء يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الإنسان ولما قال لهم وأخاف أن يأكله الذئب" .
{ وأنتُم عنْهُ غافِلُون } باشتغالكم بالرتع واللعب، أو لقلة اهتمامهم به تعلموا منه، وقالوا: { إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب } انتهى الحديث بإيضاح. من أمثال العرب: البلاء موكل بالمنطق، وتعلل يعقوب عليه لاسلام بعلتين:
إحداهما: أحزان ذهابهم به إياه هذه لم يجيبوه عنها، إذ لا طاقة لهم بإزالة الحزن، لأن اختياره عنهم هو الذى غاظهم وأذاقهم الشر. والأمر العظيم.
والأخرى: الخوف عليه من الذئب، وأجابوا عنها لما ذكر عنهم الله سبحانه وتعالى بقوله: { قالُوا لَئِنْ أكلهُ الذِّئبُ... }