التفاسير

< >
عرض

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
٢٦
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قالَ هى رَاودَتْنى عن نَفْسِى } أى قال يوسف مكذبا لها: هى التى دعتنى إلى مقارفة الفحشاء وأنا لم أرد بها السوء.
{ وشَهِدَ شاهِدُ من أهلها } وكان هذا الشاهد طفلاً صغيراً مع والده، فسئل ابن عباس رضى الله عنهما فقال: تكلم فى المهد أربعة:
عيسى بن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وهذا الصبى وهى امرأة حزيقل مؤمن آل فرعون، والمشهور عن أبى هريرة ثلاثة بإسقاط الشاهد، قيل: وبعد هذا قيل علمه صلى الله عليه وسلم بالزيادة، وقيل: تكلم فى المهد أحد عشر إنسانا نظمها السيوطى فى قلائد الفوائد فقال:

تكلَّم فىالمهد النبى محمد ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبرى جريج ثم شاهد يوسف وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مر بالأمة التى يقال لها تزنى ولا تتكلم
وماشطة فى عهد فرعون طفلها وفى زمن الهادى المبارك يختم

ومبرى جريج هو الطفل الذى أبرأ هذا الراهب المسمى جريجا مما رمته به بغية، بأنه ولده منها بزنى، صلى ركعتين فطعن بيده فى بطنه فقال: أبى الراعى الفلانى.
وطفل الأخدود هو الذى أرادت أمه أن تتأخر عن الأخدود الذى حفره الجبار، وأوقد فيه النار لمن آمن، قال لها: قعى ولا تتقاعسى كما تراه فى محله إن شاء الله.
والطفل الممرور عليه بالأمة هو الذى كان يرضع فمروا بها عليه، وقالت أمه: اللهم لا تجعل ابنى مثلها، فقال: اللهم اجعلنى مثلها.
وطفل الماشطة هو الذى أراد فرعون ذبحه لما آمنت أمه تخويفا لها لعلها تكفر فأشفقت عليه فقال لها اصبرى.
والذى فى زمان الهادى مبارك اليمامة، دخلت به أمه على الهادى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "من أنا؟" قال: أنت رسول الله، وفى قصه كل منهم طول.
وقال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن عباس فى رواية عنه: لم يكن شاهد يوسف صبيا، ولكنه رجل حليم ذو رأى يرجع إليه الملك، ويستشيره: وقال السدى: هو ابن عم راعيل الذى كان جالسا مع العزيز عند الباب،وقيل أخوها، ويجوز أن يكون بعض أهلها فى المهد يبصر من حيث لا يشعر.
{ إنْ كان قَميصُهُ } الخ محكى قول محذوف، أى فقال: إن كان قميصه الخ، ويشهد لأنه فى معنى قال { قُدَّ مِنْ قُبلٍ } قدام { فَصَدقَتْ } أدخل إن الشرطية وهى الاستقبال على كان، وهى للماضى: لأن المراد أن يعلم أنه كان قميصه قُدَّ من قُبل، أو إن ظهر أنه إن كان قميصه الخ، وعبارة بعض إن كان تبقى على المضى إذا كانت شرطا، وقرن الجواب بالفاء مع أنه ماض منصرف مجرد من موجب القرن بها، لأنه ماضى المعنى على ما قال ابن هشام، وقيل: بتقدير المبتدأ، أو قد، أى فهى صدقت أو فقد صدقت.
{ وهُوَ مِنَ الكاذِبينَ } لأنه لو كان هو الهارب عنها، وكانت الطالبة له التابعة لم يُقدّ من قُبُل، لأنه يُقد منه إذا طلبها ودافعته عن نفسها، وإذا أسرع خلفها فتعثر بذيله.