التفاسير

< >
عرض

يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ
٤٦
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يُوسُفُ } حذف حرف النداء ومتعاطفات أى فأرسلوه فأتى يوسف فى السجن فقال له: يا يوسف الخ، وروى أن الذى نجا قال: إن قول هؤلاء بأنها أضغاث أحلام باطل، بل رؤياك حق، وأن لها برهانا وإن أرسلنى إلى السجن آتك بالعجب العجاب، إن فى حبسك رجلا حكيما عليما عنده من رؤياك علم عجيب، وقد كنت أنا وصاحبى فى السجن فى المدة التى غضبت علينا فيها ورأينا كذا وكذا، وعبر لنا كذا وكذا، فكان كما قال، فقال الملك: ما منعك أن تعرفنى بأمره؟ فقال: أيها الملك خفت أن تذكر ما قيل عنا، فيكون سببا للمعاقبة، فقال له: انطلق إليه، فقد أذنت لك.
وروى أنه لما قال الملك: إن لم تخبرونى بتأويلها أقتلكم، حرك الساقى رأسه وبكى، فقال له الملك: مالك تبكى؟ فقال: أيها الملك إن رؤياك هذه لا يعرفها ولا ينبئك بها إلا الغلام العبرانى الذى فى السجن، فتغير وجه الملك وقال له: إنى لم أذكره سبع سنين، ولا خطر ببالى إلا الساعة، وقال له الساقى: وأنا كذلك، فقال: من أين تدرى أنه الم بتأويل الرؤيا، فقص عليه قصته وقصة الخباز، فقال له: امض إليه واسأله عن تلك الرؤيا، فقال له: والله إنى أستحى منه، فقال له الملك: لا تستحى منه، فإنه على دين يرى أن الخير والشر من مولاه، فلا يلومنك.
فأتاه الساقى يبكى وكمه على وجهه استحياء من يوسف، وتمالك واعتذر بأنه لم يقصر، ولكنه نسى، فقال له: ارفع كمك، فإن الشيطان أنساك أن تذكرنى عند ربك، فسجد الساقى بين يديه حين رضى عنه، فقال له: لمن سجدت؟ فقال: لمن أرضاك عنى، فإنى كنت خائفا من سطوتك، فقال: من أين لى سطوة؟ فقال: تيقنت أنك تصير ملكا، ثم قال له: ما حاجتك؟ فقص عليه رؤيا الملك، وأنه يريد تعبيرها، وقيل: إن الملك نسى رؤياه، فقال لهم: إن لم تخبرونى بها وبتأويلها أقتلكم، فذهب الساقى إليه فسأله فقال له: رأى كذا وكذا وتأويلها كذا وكذا،
فرجع الساقى إلى الملك، وقد تذكرها الملك فأخبر بها الحاضرين بعد ذهاب الساقى، فأخبره الساقى بما قال يوسف، فتعجب فقال: كأنه الذى رآها، وأقر هو والحاضرون بفضله، وما قيل من أن الساقى لم يخبره الملك بالرؤيا، وأنه قال ليوسف: أريد أن تعلم ما رأى الملك، وأن تعلم تعبيره يرده قول يوسف:
{ أيُّها الصِّدِّيق أفْتِنَا فى سَبْع } أى فى رؤيا سبع { بقَراتٍ سمانٍ يأكلهنَّ سبعٌ عِجافٌ وسَبعِ سُنْبلاتٍ خُضْرٍ وأخر يابِساتٍ }
وإن صح ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالآية حكاية للمعربات قوله: أخبرنا بما رأى بتفسيره بمنزلة قوله: إنه رأى كذا وكذا، فأخبرنا أيها الصديق بتفسيره، والصدِّيق المبلغ فى الصدق، وإنما عرفه صديقا لأنه فاق احواله، وظهر صدقه فى تفسير رؤياه ورؤيا الخباز، ولم يجبر عليه كذبا قط.
{ لَعلِّى أرْجعُ إلى النَّاسِ } الملك ومن عنده، أو أهل البلد على ما قيل: إن السجن لم يكن فى البلد، فأخبرهم بتعبيرها { لَعلَّهم يعْلَمُون } تأويلها أو فضلك ومكانك فى العلم، فيطلبوك ويخلصوك من السجن، وإنما تلفظ بلعل فى الموضعين، لأنه ليس على يقين من الرجوع لجواز أن يموت قبل الرجوع، أو يمنعه مانع، ولا على يقين من علمهم لاحتمال أن لا يصدقوه، أو لا يصدقوا يوسف، ولما سمع يوسف الرؤيا من الساقى لم يمتنع من شرحها فقال: قل للملك إن فى رؤياك هذه بلية تدخل على رعيتك، فأنظر لها قبل نزولها، لأن الملك بالرعية، والرعية بصلاح الأحوال، وحاجة الملك للخدم كحاجة الرأس للقدم، وانتفاع الملك بأعوانه كانتفاع الجسد بأعيانه، ثم أخذ يفسرها كما قال الله جل وعلا: { قَالَ تزْرَعُونَ... }