التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ
٥٢
-يوسف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ذَلكَ } المذكور من من أمرى لك أيها الساقى بالرجوع إلى الملك وبسؤالك إياه، ما بال النسوة، أو ذلك التثبيت لأن الأمر بذلك تثبيت، وإنما أشار بصيغة البعد لعلو شأن التثبيت، فكأنه بعد مسافة، ولأن الكلام إذا انقضى فقد غاب وليس بشئ حاضر فى الحس، ولو بقى الذهن، وقيل: هذا كلام يوسف حين رجع إليه الساقى ليخبره بما قالت النسوة، إذ جمعهن الملك، وبه قال أبو صالح عن ابن عباس، وهو قول ابن جريج، والبعد واضح على هذا.
وقال عطاء، عن ابن عباس: إنه قال ذلك بحضرة الملك، وعلى هذا فإن كانت الإشارة لأمره الساقى بما ذكر أو للتثبيت المأمور به، فالبعد ظاهر، وإن كانت للتثبيت الحاصل من الملك بحضرة يوسف والنسوة، فالبعد لانقضاء الكلام، وعلو شأن التثبيت، وإن قال يوسف ذلك بحضرة الملك ولم يحضر للتثبيت، فإن أخبرته فأشار إليه، فالبعد لذلك أيضا ولبعد إتمام التثبيت عن كلامه، وإلا فأشار إلى أمره الساقى أو للثتبيت المأمورية، فالبعد لهذه الأوجه.
{ ليَعْلم } وضمير يعلم لله، والهاء بعد على هذا لله، أى لم أخن الله، أى لم أعصه فى زوجة العزيز، وقيل: الإشارة إلى الامتناع من مطلوبتها { أنِّى لَم أخنْهُ } فى زوجته { بالغَيْب } أو للعزيز متعلق بأخن أى أخنه فى وقت غيبته، أو فى مكان غيبته وراء الأستار والأبواب المغلقة أو حال من الهاء، أى لم أخنه ثابتا فى وقت الغيبة عنى أو فى مكان الغيبة عنى، إذ ذهب إلى الملك أو السوق أو غيرهما، أو حال من المستتر فى أخن، أى لم أخنه ثابتا فى وقت غيبتى، أو مكان غيبتى عنه بأن ذهب إلى ما ذكر وتركنى خلفه فى أهله { وانَّ الله لا يَهْدى } لا يوفق ولا يرشد { كَيْدَ الخائنينَ } ومعنى عدم توفيق كيدهم وعدم رشده أنه لا يجعله متأثر ناقدا، بل يفضحه ويبطله، أو الأصل لا يهدى الخائنين بكيدهم، فأوقع عدم الهداية على الكيد مبالغة، وفى ذلك كناية عن أنه لو كان خائنا لم يخلصه الله من تلك الورطة الواقع هو فيها، وعن أنه أمين ولا بد وتعريض بخيانتها زوجها وبخيانة زوجها والملك أمانة لله، إذ ساعداها على حبسه بعد ظهور الآيات على أن الملك قد سمع بهن، ولم تضمن كلامه هذا تنزيه نفسه كما علمت، قال: خروجا عن تزكية النفس والعجب.