التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ
٢١
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ والَّذينَ يصِلُون ما أمر الله بهِ أنْ يُوصلَ } وهو الرحم، قال الله سبحانه: "أنا الله أنا الرحمن خلقت الرحم واشتققت له اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" "وهى معلقة بالعرش تقول من وصلنى وصله الله، ومن قطعنى قطعه الله، ولا يدخل الجنة قاطعها" ووصلها سبب لبسط الرزق وتأخير الأجل وللمحبة، بمعنى أن الله جل جلاله قد قضى فى الأزل بلا أول، أن رزق فلان يكثر أو يبارك له فيه، أو أن أجله يمتد إلى كذا، بأنه يصل رحمه، وأن كذا من رزقه أو أجله لأجل كذا، وأن كذا منه لأجل صلة رحمه، أو يخفى عن الملائكة شيئا من اللوح المحفوظ، أو لا يكتب فيه، فإذا أظهره لأجل صلة رحمه عد زياد للنظر إليهم.
وليس المراد زيادة فى رزقه أو أجله غير مقضية فى الأزل كما زعم بعضهم قائلا: إن له أن يفعل ما يشاء، فإن شاء ألا يبدل القول لديه، ولا تبدو له البدوات، وفى الحديث:
"ليس الواصل بالمكافئ بل إذا قطعته الرحم وصلها" وذلك قول الجمهور فى تفسير الوصل فى الآية.
وقال ابن عباس: الوصل بين أنبياء الله وكتبه وبالإيمان بالجميع، وعدم التفريق بينهما بالإيمان لبعض والكفر لبعض، والصحيح أن المراد ذلك كله، وأداء حق المؤمن والزوجة والزوج، والصاحب والجار، والخديم والمعاشر والمملوك، من رق أو دابة، ورفيق السفر، وأداء حق من لزمك له حق فى مال أو بدن أو عرض أو مشرك ولو مشركا، فمن لم يذب عن عرض المسلم وقد قدر، و لم يشفق عليه أو لم ينصحه، أو فرق بينه وبين نفسه، أو لم يسلم عليه ولم يعده مريضا، أو لم يحضر جنازته ميتا فغير مؤد لحقه، لكن يهلك بهذه الثلاثة ونحوها.
قال الفضيل بن عياض لجماعة جاءته من خراسان فى مكة: من أين أنتم.؟ قالوا: من خرسان، قال: اتقوا الله وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أن العبد لو أحسن الإحسان كله، وكانت له دجاجة وأساء إليها لم يكن من المحسنين. وأن يوصل فى تأويل مصدر بدل اشتمال من الهاء، وإن قدرت فيه الباء فبدل أمن به.
{ ويخْشَون رَبَّهم } يخافون وعيد ربهم، أو يخافونه مع تعظيم له، فإن أصل الخشية خوف يشوبه تعظيم.
{ ويخافُونَ سُوءَ الحِسابِ } وهو أن يناقشوا فلا يغفر لهم ذنب، فحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، وذكر هذا بعد ذكره خشية الرب سبحانه وتعالى، تخصيص بعد تعميم لعظيم هول سوء الحساب.