التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ
٥
-الرعد

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وإنْ تَعْجبْ } يا محمد من تكذيبهم إياك بعد أن سموك الصادق الأمين، وعرفوك بالصدق والأمانة، أو من إنكارهم البعث مع إقرارهم بأن الخالق الله، وقد تقرر فى النفوس أن البدء أصعب من الإعادة، ولو كانا سواء عند الله تعالى وأمراً هينا.
{ فعَجبٌ } خبر مقدم { قَولُهم } أى قول قومك المنكرين للبعث مبتدأ، أى فقولهم عجب أى حقيق بأن تتعجب منه، لاتضاح دلائل رسالتك، ودلائل البعث من إخبارك إياهم بالغيوب بلا دراسة كتب، ولا سماع ولا مشاهدة، وإجراء معجزة على يديك، ومن إنشاء السمٰوات ورفعها، والأرض والعرش، وما فى ذلك، والقطع المتجاورات، والزرع والشجر، والثمرات المختلفة، مع اتحاد الماء، وكون الكل من التراب، فإن إنشاء ذلك فى النفوس أصعب من إعادة ميت بعد إنشائه، وإماتته، ودليل على كمال العلم والقدرة فى كل شئ، والإشكال فى ذلك.
فإذن المراد إن أعجبك واقع موقعه وصادف [محله] ولم يكن تعجبا مما لا يتعجب منه كقولك: إن تعجبت من قيام زيد فقيامه عجب، أى فتعجبك صادف محل التعجب، وعلى قبول الأشياء التى تمد منها بقدرته أشياء أخرى لأنواع تصرفاته، وقيل: إن تعجب من اتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة مع إقرارهم بأن الخالق الرازق النافع الضار الله، فقولهم حقيق بأن تتعجب منه، كأنه قيل: إن تعجب من ذلك فليس الأمر العجيب منهم ببدع، فإن قولهم بإنكار البعث عجب عظيم، والعجب على كل حال مصروف إلى المخلوق، لأنه حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشئ، والله سبحانه لا يخفى عنه شئ ويطلق العجب على نفس الأمر المستبعد فى العادة وعلى نفس الأمر الذى لا يعرف له سبب، وقال بعض شراح الهمزية: هو الأمر المستغرب الخارج عن قياس المعقول.
{ أئِذَا } بتحقيق الهمزة الأولى وهى للاستفهام الإنكارى، وتسهيل الثانية بلا إدخال ألف بينهما، أو بإدخالها، أو بتحقيق الهمزتين بلا إدخالها أو به، وكذا فى قوله: { أئنا } وقرئ بهمزة واحدة مكسورة هنا، وبالهمزتين فى قوله: { أئنا } وقرئ بالعكس، وجواب إذا محذوف دل عليه { أئنا لفى خلق جديد } وإذا وشرطها وجوابها ودليله بدل من القول، أو بيان له أنه بمعنى المقول، ومفعول به على أنه باق على المعنى المصدرى، وقوله: { أئنا لفى خلق جديد } فى نية التقديم على إذا، ويقدر الجواب منه مقرونا بالفاء بدون استفهام أو به، أو يقدر مضارعا من البعث.
{ كُنَّا تُراباً أئنا لَفِى خَلقٍ جَديدٍ } بالبعث غير الخلق الأول { أولئكَ الَّذين كفَروا بربِّهم } أى بقدرته على البعث، أى هؤلاء البعداء من مظان الخير هم الكاملون فى الكفر بالبعث { أولئك الإْغلالُ فى أعناقِهِم } أى ثابتة فى أعناقهم يوم القيامة، وهذا الوصف الذى قدرت للاستقبال، ويقدر المضارع أى تثبيت فى أعناقهم، أو يقدر الوصف أو المضارع للحال، ويقدر الماضى تنزيلا للمستقبل منزلة الحاضر الواقع لتحقق الوقوع، وتهويلا للأمر، وذلك عبارة عن خذلانهم وإصرارهم، أى لا يتخلصون من الكفر إلى الإيمان، كما لا يجد المغلول التصرف، وهذا باختبارهم الكفر المانع للهدى، أو عبارة عن ذلهم يوم القيامة، وكناية عنه سواء اعتبرته قبل تقييدهم فى ذلك اليوم بالأغلال وبعده، والغل طوق من حديد يجعل فى العنق، وتضم إليه اليد أو اليدان، أو فى اليدين أو نحو ذلك.
{ وأولئكَ أصْحاب النارِ هُم فيها خالِدُون } ولا حصر فى قوله: { هم فيها خالدون } لعدم تعريف الطرفين ونحوه من مقيدات الحصر، فضلا عن أن يقال: إن فى الآية دليلا على اختصاص المشركين بالخلود، كما زعم بعض، وليس هم ضمير فصل على الصحيح لعدم المعرفة بعده، بل ولا قباله، لأن الكلام مستأنف منه فإنه مبتدأ خبره خالدون، نعم لو أسقطه فيكون خالدون خبرا ثانيا لأولئك، فصح الكلام ولكن جئ به لتأكيد وصفهم بالخلود لا للحصر، ولو سلمنا الحصر لزم نفى الخلود عن أهل الكتاب، لأن الآية عند ذلك القائل فى منكرى البعث، وأما أولئك أصحاب النار فصيغت حصر، لكن حصرها إضافى لظهور أن النار لا تختص بمنكرى البعث.