التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١١١
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَوْمَ } متعلق برحيم فليس الوقف على رحيم أو مفعول لمحذوف أى اذكر يوم فالوقف على رحيم.
{ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ } إنسان، { تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } أى عن ذاته أو المراد بالنفس المضافة للضمير مطلق النفس وبالضمير واحدة من المطلق وعلى كل حال ليس من إِضافة الشىء إِلى نفسه أى يسعى فى خلاص ذاته لا يهمه إِلا نفسه حتى الأَنبياء فكل يقول نفسى نفسى وذلك يوم القيامة المراد بالجدال الاعتذار بما لا يقتل فقط، كما قال بعضهم بل المراد الاعتذار بما يفيد والاعتذار بما لا يفيد والاهتمام بالأَمر فهى فى المؤمنين والمشركين والمنافقين لا كما قال به ذلك البعض أنها فى المشركين وأما ذلك كقولهم
{ { والله ربنا ما كنا مشركين } وعن الحسن كل نفس توقف بين يدى الله للحساب ليس يسأَلها عن عملها إِلا الله قال عمر بن الخطاب لكعب الأحبار رضى الله عنهما خوفنا قال يا أمير المؤمنين والذى نفسى بيده لو وافيت القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأَتت عليك تارة وأنت لا يهمك إِلا نفسك فإِن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إِلا جثا على ركبتيه حتى إِبراهيم الخليل يقول: يا رب لا أسأَلك إِلا نفسى، وإِن تصديق ذلك فيما أنزل عليكم لله سبحانه يوم تأْتى كل نفس تجادل عن نفسها وورد الخبر باستثناء رسول الله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك العموم وأنه يهمه أمر منه وروى عكرمة عن ابن عباس ما تزول الخصومة بين الخلق حتى أن الروح والجسد يتخاصمان يقول الروح يا رب لا يد لى أبطش بها ولا رجل أمشى بها ولا عين أبصر بها، فجاء فيقول الجسد: يا رب أنت خلقتنى كالخشبة لا حركة ولا رؤية فجاء هذا الروح فكان ذلك فضرب الله مثلا لهما أعمى ومقعد فى بستان، فالأَعمى لا يبصر الثمرة والمقعد لا ينالها فحمل الأَعمى المقعد فأصابا من الثمار فعليهما العذاب { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ } يحضر لها ما عملته من خير أو شر على الكمال بأَن يذكر لها فتجازى عليه يحضر لها جزاء ما عملت، فأَما المشرك والمنافق فقد استوفيا ثواب ما عملاه من خير فى الدنيا فلا يبقى لهما فى الآخرة إِلا السيئات، وأما المؤمن فالتحقيق فيما ظهر لى أن منهم من تذهب عنه سيئاته كلها بالعبادة والمصائب أو بالعبادة وهو تائب منها فما له فى الآخرة إِلا الحسنات ومنهم من تاب وقبل الله توبته ولكن لم يأْت عليه من المصائب ما تقابل مرارتها حلاوة معاصيه ولم يجهد نفسه ويضيق عليها بالعبادة فيشدد عليه فى خروج الروح أو فى القبر أو فى الموقف أو فى الحساب أو فى متعدد من ذلك أو فى كل ذلك حتى يوافى الله ولا ذنب له، ومنهم من عفى الله عنه وقد كتب بعض ذلك فى غير هذا الكتاب ثم رأيت فى كلام الشيخ هودرحمه الله الإِشارة إِليه فالحمد لله. { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } لا يزاد فى ذنوبهم ولا ينقص من حسناتهم.