التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
١١٦
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتِكُمُ الْكَذِبَ } تفسير ما مصدرية والكذب مفعول تصف واللام للتعليل وذلك أنهم يقولون هذا حلال وهذا حرام ويكررونه لأَن ألسنتهم قد قالته أولا، فداموا عليه فنهاهم الله أو بمعنى عن أو فى وللتعليل طريق آخر هو أن المعنى لا تحكموا بحل أو حرمة بمجرد قول فانطق به ألسنتهم، وأجاز بعضهم كما قال ابن هشام أن يكون الكذب بدلا من مفعول محذوف على أن ما اسم أى لما تصفه فالكذب بدل من الهاء ويدل له قراءة بعضهم بجر الكذب على أنه بدل من ما اسم لا مصدرية وبرفع الكذب وضم كافه وذاله على أنه نعت للأَلسنة جمع كذوب بفتح الكاف وضم الذال كرسول ورسل وقرىء بالنصب وضمهما، جمع كذوب واقع على الأَلسنة كذلك وهو مفعول لمحذوف، أى أعنى الأَلسنة الكواذب أو واقع على الكلمات أى كلمات الكاذبات فيكون بدلا من الهاء المحذوفة على ما اسم وقال ابن جنى إِنه جمع كذاب بكسر الكاف وتشديد الذال وهو مفعول مطلق لتقولوا، على حد قعدت جلوسا { هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ } جملتان مفعول للقول المذكور ويجوز أن تجعلا بدلا من الكذب بالنصب وبفتح الكاف وكسر الذال على أنه مفعول به لتقولوا كما ذكره ابن هشام وأجاز أن تكونا مفعولا للقول والكذب مفعول لمحذوف أى فتقولون الكذب، وما ذكرته من كون الكذب مفعول تصف والجملتين مفعول القول أولى، لأَن وصف ألسنتهم الكذب مبالغة فى وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة حتى وصفتها ألسنتهم فذلك أفصح كلام ومن فصيحه قولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر، أى هى جميلة وعينها لها تَأثير فى الحب كالسحر ولما أرادوا مبالغة فى جمال وجهها وسحر عينها عبروا بأن الوجه يصف الجمال والعين تصف السحر، وللسلامة من الحذف ومعنى قولهم هذا حلال وهذا حرام أنهم كانوا فى الجاهلية يحرمون ويحللون أشياء من عند أنفسهم ويضيفون ذلك إِلى الله كتحريمهم السائبة والبحيرة والوصيلة والحامى، وقولهم ما فى بطون هذه الأَنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإِن يكن ميتة فهم فيه شركاء، ومنع مالك أن يقول أحد هذا حلال أو هذا حرام، عندى بل يحكى ذلك عن الله أو نبيه وإِن أراده اجتهاده إِلى إِباحة أو حظ قال يسوغ عندى أو يجوز أو يمتنع أو أكثره كراهة تحريم { لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ } هذا تعليل لا يتضمن معنى الغرض المترتب على قولهم فيه اللام للصيرورة وإِنكار البصريين ومن تابعهم لام الصيرورة فيقال إِنها للتعليل المجازى وهو التحقيق وقيل هى هنا تتضمن غرضهم الفاسد وقيل لتفتروا الخ بدل من لما تصف الخ { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } لا يفوزون بخير الآخرة بل يخسرون بالخلود فى النار أو لا يفوزون بحصول ما افتروا لأَجله من أُمور الدنيا أو لا ينجون من عذاب الله عز وجل.