التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٤
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ } جعله كما تنتفعون به مع أنه فى نفسه مهلك ضار ألا ترى عمقه ووسعه وملوحة مائه ودوابه ولله در القائل:

ما فيه مستغرب إلا سلامته

ومع ذلك مكننا الله برحمته من الركوب فيه وقطعه والاصطياد منه والغوص فيه { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } هو السمك وصفه بطريا لأَنه أرطب اللحوم حتى أنه إِن لم يسارع لأَكله أسرع إِليه الفساد ولإِظهار قدرته إِذ خلق ما هو طرى فى ماء غليظ وهو أيضا عذب اللحوم مع أنه فى ماء أملح المياه فيعلم الناس أنه تعالى قادر بالذات لا بواسطة طبع الأَماكن والأَزمان وموافقتها وإِلا لم يقدر أن يخرج الشىء من ضده تعالى الله، وبدأ بذكر الأَكل لأَنه أعظم وأهم ومن خلف لا يَأكل اللحم فأَكل السمك حنث عند مالك والثورى لأَن الله سبحانه سماه لحما، واعترض بأَن التحقيق أن مبنى الإِيمان على العرف لا على اللفظ فلو حلف أحد أن لا يبيت تحت سقف لم يحنث بالسماء ولو سماه الله سقفا، ولو حلف أن لا يركب دابة لم يحنث بركوب الكافر مع أن الله سبحانه سماه دابة فى نحو قوله: إن شر الدواب عند الله الذين كفروا، إِلا إِن عنى شيئاً من ذلك { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً } ما يتحلى به أى يتزين به كاللؤلؤ والمرجان { تَلْبَسُونَهَا } رجالكم ونساؤكم ولا يمنع الرجل من لباس اللؤلؤ والمرجان وقد أباحته الآية له ويحتمل أن يكون المراد النساء نظرا للغالب من غير تحريمه على الرجال، وعليه فيقدر مضاف أى تلبسه نساؤكم أو يجعل الخطاب لهم ولهن والحكم على المجموع وأسند إِليهم اللباس لأَنهن يتزين بذلك لهم والامتنان بأَن استخراج الحلية منه دليل على أن البحر مراده به المالح لأَنها منه ويجوز أن يراد به المالح والعذب وإخراج الحلية من مجموعه لا من جمعه كما قال يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان { وَتَرَى الْفُلْكَ } السفن { مَوَاخِرَ فِيهِ } شاقات للماء بجريها جمع ماخرة يقال مخر الماء أو غيره أى شقه ومخر الماء الأَرض شقها وقيل صابتات والمخر صوت جرى الفلك فى الماء أو صمات بضرب الريح فيهن ويحتملهما كلام مجاهد وقال الحسن ممتلئات بالمتاع وقال قتادة مقبلة ومدبرة ترى سفينة مقبلة وسفينة مدبرة تجريان كل تجرى بريح مسخر لها يناسب جهتها التى وجهت إِليها فى وقت واحد كسائقين لدابتين كل يسوق دابته إِلى ضد الجهة التى يسوق إِليها الآخر دابته وقول بعض تجريان بريح واحدة إِحداهما مقبلة والأُخرى مدبرة بعيد غير شاهد والله قادر على ذلك { وَلِتَبْتَغُوا } عطف على لتَأكلوا أى ولتطلبوا الأَرباح بالتجارة { مِن فَضْلِهِ } سعة رزق { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الله تستعملون جوارحكم وقلوبكم فى عبادته وذكر الشكر هنا لعظم هذه النعمة حيث جعل ما هو مهلك سببا للانتفاع والمعاش.