التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ
١٧
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَفَمَن يَخْلُقُ } الهمزة للاستفهام التوبيخى والإِنكارى أى لا يصح ولا يمكن أن يكون من الخلق كل ما أراد كالأَشياء العظام المذكورة وهو الله سبحانه وتعالى { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } شيئاً وما هو فى نفسه مخلوق الله تعالى وهو الأَصنام، وما عبد من دون الله من جماد وملك وإِنسان ونجم والشمس والقمر فمن سواها به فى العبادة مكابر لعقله ومعاند له وكيف والأَصنام وهى أيضا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تدفع عن نفسها ولا تجلب لها وإِنما لم يقل أفمن يخلق كمن لا يخلق مع أن القاعدة فى الكلام العربى تشبيه الناقص بالكامل لأَن المعنى كيف تنقصون حق الخالق وتسوونه بغير الخالق هذا ما ظهر لى. وقال القاضى للتنبيه على أنهم بالإشراك بالله جعلوه من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها انتهى، ثم ظهر لى أن مراده ما ذكرت وإِنما قال كمن لا يخلق ولم يقل كما لا يخلق تغليبا للعقلاء المعبودين كالملائكة وعزير وعيسى على غير العقلاء كالصنم والنجم، وإِن أُريد بمن لا يخلق الأَصنام فقط أو الأَصنام ونحوها مما لا عقل له فإِنما عبر بمن لأَن من عبد شيئاً فقد نزله منزلة العاقل أو لأَنهم سموها آلهة ومن حق الإِله أن يكون عالما أو للمشاكلة بينه وبين من يخلق من للعقلاء ويجوز أن يكون من لغير الأَصنام ونحوها بل هى للعقلاء مطلقا أو للعقلاء المعبودين إلزاما لحجة على طريق المبالغة كأَنه قيل ليس العالم الخالق كالعالم الذى لا يخلق فكيف يكون كمن لا يعلم ولا يخلق كما يقول فى الرد على من قال فلان كسيبويه إِنه ليس كالذى علم من النحو كلمة بل دونه لا يعلم ولو كلمة واحدة؛ وكقوله رد على من يعبد الأَصنام ألهم أرجل يمشون بها أى ليسوا كمن له أرجل فضلا عن أن يكونوا كالله تعالى { أََفَلاَ تَذَكَّرُونَ } فتعرفوا فساد ذلك فإِن فساده جلى يعرف بأَدنى تأَمل لا يحتاج إِلى تدقيق الفكر.