التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي ٱللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٤١
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى اللهِ } أى لأَجل الله والمعنى أنهم هاجروا ليتمكنوا من دينهم فيقيموه فالتقدير هاجروا لدين الله ويجوز أن يكون المراد هاجروا لله بذاته أى لحبه { مِن بَعْدِ مَا } مصدرية { ظُلِمُوا } وهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنون ظلمهم قريش لدينهم فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم المدينة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما استقروا بالمدينة جاء إِليها الذين بالحبشة والمراد هجرة الحبشة لقوله { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } لننزلنهم { فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً } بلدة حسنة وهى المدينة فالنصب على المفعولية الثانوية أو تبوئة حسنة وهى تبوئة المدينة لهم بالنصب على المفعولية المطلقة ولو كانت هجرة المدينة والآية نزلت بمكة قبل الهجرة إِليها لنافاه قوله هاجروا ولو كانت هجرة المدينة والآية بعد الهجرة وتبوء المدينة، لم يصح أن يقول لنبوئنهم وقد تبوأُوها ولم يبلغنا أنها نزلت بعد الهجرة إِليها وقبل وصولها وتبوأها هذا ما ظهر لى فى قول الجمهور وقتادة أن سبب النزول هجرة الحبشة وقيل المراد الهجرتان فيكون معنى لنبوئنهم حسنة لنجعلن لهم المدينة منزلا حسناً بأَن تكون المدينة ثقيلة على من هاجر إِليها وسكنها ثم بعد ذلك حببها الله إِليه وحسنها فى قلبه وجاء المهاجرون الحبشة إِليها فنزلوها واستحسنوها، وكذا إِن قيل المراد الهجرة إِلى المدينة فقط وعليهما تكون الآية مدنية وقال الكلبي المراد بالمهاجرين بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل وهم المستضعفون بقوا بمكة بعد هجرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعذبهم المشركون لدينهم كانوا يجرون بلال رضى الله عنه إِلى البطحاء بمكة فى شدة الحر ويشدونه ويجعلون على صدره الحجارة وهو يقول أحد أحد وقد كان قبل ذلك معذبا فى الله بذلك ونحوه ثم اشتراه أبو بكر وأعتقه وخلفه بعده واشترى معه ستة نفر، وقال صهيب إِنى كبير إِن كنت معكم فلن أنفعكم وإِن كنت عليكم فلن أضركم فاشترى نفسه بماله ومر به أبو بكر فقال ربح البيع يا صهيب؛ وهاجر أبو بكر وخلفه وكان مع شرائه نفسه يصيبه بعض العذاب منهم، وأما باقيهم فأعطوهم الشرك بأَلسنتهم وقد اطمأَنت قلوبهم بالإِيمان فخلوا عنْهم ثم هاجروا كلهم رضى الله عنهم فنزلت الآية وهذا يقتضى أنها مدنية نزلت بعد هجرتهم وقيل تبوأ المدينة وكانوا قبل ذلك كلما خرجوا اتبعوهم فردوهم قال عمرو رضى الله عنه نعم العبيد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه وفى رواية نعم الرجل أى لو لم يكن لله عقاب يخاف لم يعصه، وقالت جماعة المراد بالحسنة كل ما يستحسن أى لننيلنهم فى الدنيا ما يستحسنونه أو لننزلنهم منزلة يستحسنونها وهو عام، ويدل له قول عمر رضى الله عنه إِذا أعطى رجلا من المهاجرين وقت القسمة خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله فى الدنيا وما ادخر لك فى الآخرة أفضل ثم يتلو الآية وقيل المراد بالحسنة فتح مكة والنصر على قريش وفتح البلاد والنصر على أهل المشرق والمغرب وقيل التوفيق لأَمر الدين وقرأ على لنثوينهم بمثلثة قبل الواو من الإِثواء أى نسكننهم أى لنثوينهم إثواءه حسنة وذلك كله فى مقابلة هجرتهم فى الله كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ "من كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إِلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها وامرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" { وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ } مما يعطى الإنسان فى الدنيا من أُمورها وهو الجنة وإِما ما يعطاه من أمر الدين فهو أفضل من الجنة { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } الضميران للمشركين وجواب لو محذوف أى لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدنيا والآخرة لوافقوهم ولو كانوا يعلمون أن أجر الآخرة أكبر مما هم فيه من نعيم الدنيا لآمنوا والضمير أن للذين تخلفوا عن الهجرة أى لو علموا أن للمهاجرين أجر الدارين لهاجروا أو الضميران للمهاجرين أى لو علموا ذلك الأَجر المعد لهم فى الآخرة لزادوا جدا واجتهادا أو صبرا على أذى المشركين.