التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ
٦٨
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ } أرسل إِليها بالإِلهام معافى فى نفسها وسخرها لرشدها وقرأ يحيى بن وثَّاب بفتح الحاء كالنون، والنحل يُذكر ويُؤنث وقد أنث بعد وقيل هو مذكر وإِنما أنث فى الآية على معنى الجماعة والظاهر الأَول، قال بعض والتأنيث لغة الحجاز، وقيل سمى نحلا لأَن الله عز وجل نحل لنا العسل منه أى أعطاناه أو لأَنها تنحله أى تعطيه موضعها إِياه وهو زنبور العسل ويسمى الدبى أيضاً والهمها الله أيضاً إِلى تجعل على أنفسها أميراً كبيراً نافذ الحكم فيها وهى تطيعه وتمتثل أَمره ويكون أكبرها جنة ويسمى أميرها يعسوب النحل وفى طبعها الطاعة لأَميرها والانقياد والنظافة وما مات منها أخرجته ورمته ولتنظفها تجعل العسل فى الموضع النقى من بيوتها وعندها الطرب وتحب الأَصوات اللذيذة ولها آفات تقطعها كالظلمة والغيم والريح والمطر والدخان والنار، وكذا المؤمن له آفات تقطعه ظلمة الغفلة وغيم الشك وريح الفتنة ودخان الحرام ونار الهوى وليس لها نظر فى العواقب ولها معرفة بفصول السنة وأوقاتها وأوقات المطر والخطاب بالكاف للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويلتحق به غيره ويسرى إِليه الخطاب، هو لكل من يصلح له من كل من له عقل وتفكر يستدل به على كمال قدرة الله تعالى ووحدانيته وأنه المدبر بلطيف حكمته حيث ألهم حيواناً ضعيفاً إلى بناء لا يقدر عليه إِلا حذاق البنائين بآلات دقاق وأخرج منها العسل الذى هو من الحلاوة بمكان مع أن مطعمها ليس بأَفضل من مطعم الإِنسان ولا مساو، { أَنِ اتَّخِذِى } أن مفسرة لأَن فى الإِيحاء معنى القول دون حروفه أو هى مصدرية على تقدير الياء أى بأن اتخذى. { مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً } وقرأه قالون وابن كثير وعامر والكوفيون غير عاصم بكسر الباء لأجل الياء بعدها. { وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } بضم الراء، وقرأ ابن عامر وأبو بكر بكسرها أى وما يبنى الناس لك لأَنها إِنما تَأوى إِلى بناء بنى لها لا إِلى بناء لم يبن لها وقيل المعنى ومما يرفعون من سقف أو شجرة عنب، والعطف على من الجبال وقوله بيوتاً فى نية التأْخير أى أن اتخذى من الجبال ومن الشجر ومما يعرشون بيوتاً أو فى نية التقديم أى أن اتخذى بيوتاً من الجبال ومن الشجر ومما يعرشون والأَول أولى لما قال بعض إِن المفعول بواسطة الجار أحق بالتقديم من المفعول المنصوب بلا واسطة وإِنما ذكر من التبعيضية لأَنها لا تبنى فى كل جبل وشجر وعريش ولا فى كل مكان من ذلك، ولذلك لم يقل أن اتخذى الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ولا أن اتخذى فى الجبال بيوتاً وفى الشجر وفيما يعرشون، وليس ما تبنيه لتتعسل فيه أو لتسكن فيه بيتاً حقيقياً بل سماه بيتاً تشبيهاً للبيت الذى يبنيه الإِنسان فى الشكل وحسن الصنعة وصحة القسمة التى لا يقوى عليها حذاق المهندسين إِلا بآلات وأنظار دقيقة، قيل تبنى البيت على شكل مسدس من أضلاعه متساوية لا يزيد بعضها على بعض لمجرد طباعها ولو كان مدوراً أو مثلثاً أو مربعاً أو غير ذلك لكان فيما بينها خلل وفرجة ضائعة خالية قيل أنها تبنى من الشمع بيتاً مسدساً لا يوجد فيه اختلاف كالقطعة الواحدة قيل إِنها تقسم الأَعمال فبعضها يعمل البيوت وبعضها يعمل الشمع وبعضها يعمل العسل وهى وحشية وهى التى تسكن الجبال والشجر وإِنسية وهى التى تأْوى إِلى البيوت ويربيها الناس عندهم وقد ذكر ذلك فى الآية.