التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
٨٤
وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ
٨٥
-النحل

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ } أى واذكر يوم نبعث للشهادة أو خوفهم يوم نبعث للشهادة فيوم مفعول به لمحذوف أو يحيق بهم ما يحيق من الذل والعذاب يوم نبعث ويقعون فى أمر عظيم يوم نبعث فيوم ظرف وذلك اليوم يوم قيام الناس من قبورهم والبعث الإِقامة من القبر أو من بين الناس فى المحشر أى ويوم نبعث { مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } يشهد عليها ولها بإِيمان من آمن منها وكفر من كفر وبالتبليغ وهو نبيها ويجوز أن يبعث الله شهودا مع الأَنبياء من الصالحين قيل إِن شهداء كل أُمة يشهدون لرسولها بالتبليغ وكما قال بعض الصحابة إِذا رأيت أحداً على معصية فانهه فإِن أطاعك وإِلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة وإِن قلت كيف يقال على الوجه الأَول ويوم نبعث من القبر شهيدا من كل أُمة مع إِيهام أن الأُمة لا تبعث قلت لا إِيهام لأَن البعث إِنما هو لجزائهم بما عملوا فبعثه دليل على بعثهم، ولأَن السياق وغيره من الآى نص فى بعثهم ولكن خص بذكر البعث لمزيته ونظم أمر الشهادة بعده { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } فى الاعتذار لأَنه لا عذر لهم وفى الكلام أصلا وذلك فى بعض مواطن المحشر ولا اعتذار ولا كلام يومئذ إِلا بإِذن وليس كاليوم فتح الله للناس من باب الكلام فتحاً كليا ويجوز أن يراد بعدم الإِذن لهم الإِشارة إلى أنه لا حجة لهم ولا عذر وقيل لا يؤذن لهم فى الرجوع إِلى الدنيا وقيل لا يؤذن لهم فى معارضة الشهود معارضة صحيحة فمعارضتهم إِن وقعت كلا معارضة لأَنهم يفتضحون فإِنهم إِذا كذبوا الأَنبياء فى التبليغ بعد شهادة الأَنبياء عليهم كذبوهم فتشهد عليهم الشهداء والصلحاء وإِن كذبوا الشهداء والصالحين أقام لهم الله ما يصحح شهادتهم وقيل لا يكذبون الشهود من الأَنبياء والشهداء والصالحين أصلا بل يقرون بما شهدوا به عليه، وثم للتراخى منزلة منعهم من الاعتذار والكلام والرجوع إِلى الدنيا عن منزلة شهادة من يشهد عليهم يومئذ فى العظم فإِن منعهم من ذلك أشد إِيقاعا فى الهم والغم من الشهادة عليهم لأَنه قناط كلى { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } السين والتاء للطلب والعتبى الرضى، أى لا يطلب منهم أن يوقعوا لله الرضى أى أن يفعلوا ما يرضى بهِ الله عنهم بل يبقيهم فى عدم الرضى عليهم أو العتبى الرجوع إِلى ما يرضى به أى لا يطلب ذلك منهم ولا يجدونه ولا يقبل عنهم لأَن الآخرة ليست بدار الأَعمال بل دار ثواب وعقاب ولا رجوع إِلى الدنيا بعد وصول ذلك اليوم أو السين والتاء للتأكيد كأَنه قيل ولا هم يعتبون أى لا يكفيهم الله ما عاتبهم الرسل وغيرهم عليه فى الدنيا أو فى الآخرة أيضا بالشهادة عليهم أو ما من شأْنه أن يعاتبهم الله عليه، أو ما عاتبهم عليه عتاب توبيخ وقطع عذر، يقال أعتبته إِذا كفيته ما عقب فيه كما يقال شكوت إِليه فأَشكانى أى كفانى المهم الذى شكوت إِليه به أو السين والتاء باقيتان على الطلب العتبى الغضب والهمزة من أعتب الرباعى للسلب أى لا يطلب منهم إِزالة الغضب الواقع عليهم من الله جل جلاله بالتوبة وليس ذلك خارجا فى المعنى عما رجح بعضهم من قول الطبرى أن المعنى لا يعطون الرجوع إِلى الدنيا فتقع منهم توبة وعمل { وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا } كفروا أو ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصى { الْعَذَابَ } عذاب جهنم ورؤيته المباشر له { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ } أى العذاب والجملة جواب إِذا لا كما قيل إِن إِذا معطوف على يوم بالأَوجه السابقة فيه أو يقدر له عامل كعامل يوم لما فى ذلك من إِخراجها من الصدر والشرط مطلقا وعن الظرفية إِذا جعلت مفعولا به بالعطف على المفعول أو بتقدير عامل { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يؤخرون عن العذاب بأَن يبقوا فى جهنم غير معذبين أو يخرجوا منها، كل ذلك لن يكون وقيل المعنى إِذا رأوا العذاب بأَعينهم بعد سوقهم إِليه أو مجيئه ليخلفهم ولم يمهل عنهم وقيل المعنى لا يردون إِلى الدنيا ليؤمنوا ويعملوا صالحا.