التفاسير

< >
عرض

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً
١٣
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكُلَّ إِنسَانٍ ألْزَمْنَاهُ طائِرَهُ } أى عمله وما قدر له شبه ذلك بطائر يطير بجناحه كأَنه أطير إِليه من الغيب والقضاء فطار فإِن انتقال ذلك من القضى إِلى الخارج شبيه بالطيران، ومن ذلك طار له سهم إِذا خرج وقد ذكر ابن عيينة أن الآية من قولك طار له سهم إِذا خرج، وقيل طائره ما قضى عليه من عمل سعادة وشقاوة وفيه الشبه المذكور وإِن قلت ما نكتة التشبيه قلت من عادة العرب التيمن والتشاؤم بالطير وكثر ذلك حتى فعلته بالضباء أو حيوان الفلا يتيمنون بذهابه يمينا وهو السنوخ ويتشاءمون بذهابه شمالا وهو اليروح وتسمى ذلك تطيرا وتعتقد أن التطير قاض بما يلقى الإِنسان من خير وشر فخاطب العرب بما تعرف فاستعير لفظ طائر لما هو سبب الخير والشر من قدر الله وعمل العبد، ولذلك فسر بعضهم طائره بخيره وشره. قال مجاهد وقتادة عبر عن الحظ والعمل إِذ هما متلازمان بالطائر بحسب معتقد العرب فى التطير { فى عُنُقِهِ } كالطوق والقلادة والغل مما يزين أو يشين، فإِن كان عمله خيرا فهو كطوق ذهب أو فضة ونحوهما مما يطوق فى العنق للتزيين وكالحلى الذى يقلد فى العنق من لؤلؤ ومرجان وغيرهما. وإِن كان عمله شرا فهو كغل فى عنق، قيل ما من مولود إِلا وفى عنقه ورقة مكتوب فيها شقى أو سعيد، وقيل المراد الطائر الملزم فى العنق هو ما يتحصل من العمل ويعلق فى عنق صاحبه فى قبره وهو ظاهر كلام الحسن الذى أذكره بعد قوله تعالى: حسيبا. ونسب لابن عباس والمشهور عنه أنه عمل ابن آدم وما قدر له وروى عن الحسن يا ابن آدم بسطت لك صحيفة إِذا بعثت قلدتها فى عنقك وظاهره إِن الطائر الكتاب المشتمل على عمله المعلق فى عنقه إِذا بعث، وقرئ بسكون نون عنقه { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً } صحيفة أعماله أو نفسه فإِنها كتاب من حيث أنها منتقشة بآثار أعماله، فإِن الأَفعال الاختيارية تحدث فى النفس أحوالا ولذلك يفيد تكرير النفس لتلك الأَحوال ملكات والملكة قسم من مقولة الكيف والكيف عرض لا يتوقف تصوره على تصور غيره ولا يقتضى القسمة ولا عدمها فى محله اقتضاء أوليا، فإِن اختصت الكيفية بذوات الأَنفس تسمى كيفية النفسانية وحينئذ إِن كانت راسخة فى موضعها تسمى ملكة، وكتابا مفعول به أو حال من مفعول محذوف هو ضمير الطائر أى تخرجه إِلى الطائر حال كونه كتابا، أى نظهر عمله وما قدر له حال كونه مكتوبا ويدل على قراءة يعقوب، ويخرج بفتح الياء تحت وضم الراء فإِن فيه على قراءة يعقوب ضميرا مستتراً لطائر، ويدل له أيضا كلام الحسن الاتى وقرئ بضم الياء المثناة تحت وكسر الراء أى يخرج الله وعلى هذا فكتابا مفعول لو حال على حد ما مر وقرئ يخرج بالمثناة والبناء للمفعول ونصب كتابا على الحال من النائب المستتر العائد إِلى الطائر، وهذه القراءة تدل أيضا على كونه كتابا حال فى قراءة نخرج بالنون وقراءة يخرج بالتحتية مضمومة والراء المكسورة { يَلْقَاهُ } وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف بالبناء للمفعول من لقاء الشئ بالتشديد، أى جعله لاقيا للشئ وفى يلقاه على قراءته ضمير مستتر نائب الفاعل عائد إِلى كل إِنسان والهاء مفعول ثان، كما أن فيه على قراءة الجمهور ضميرا هو الفاعل عائدا إِلى كل إِنسان والهاء مفعول ولا مفعول ثانيا له والجملة على القراءتين نعت لكتابا { مَنْشُوراً } نعت ثان أو حال من الهاء.