التفاسير

< >
عرض

وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
١٦
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً } أى أهل قرية، أو أردنا تخريبها بإِهلاك أهلها والمراد تعلق الإِرادة بإِهلاك قوم لإِنقاذ قضائنا السابق أو دنو وقته المقضى، كقولهم إِذا أراد المريض أن يموت ازداد مرضه شدة، { أَمَرْنَا } من الأَمر ضد النهى أى أمرنا بالتوحيد والشريعة بلسان رسول، { مُتْرَفِيها } أى منعميها وهم الرؤساء الذين يكثر الله عز وجل لهم النعم وخصهم لأَن غيرهم يتبعهم ولأَنهم أسرع إِلى الحماقة وأقدر على الفجور، ويدل على ما ذكرته من كون الأَمر أمراً بالتوحيد والشريعة بلسان رسول قوله وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله، { ففَسَقُوا فِيْهَا } أى خرجوا فى القرية عن طاعة الرسول فى أمره لهم بالتوحيد والشريعة فإِن الفسق النسوخ عن الطاعة فدل عليها بطريق المقابلة فإِن دليل الحذف كما يكون بالموافقة يكون بالمخالفة أو بضد كقوله جل وعلا: وله ما سكن فى الليل والنهار أى وما تحرك، وذلك قول ابن عباس، وقيل المعنى أمرناهم بالفسق كما أنه إِذا قيل أمرته فأَكل يفهم أن المراد أمرته بالأَكل فأَكل، وإِذا قيل أمرته فقرأ، يفهم أن المراد أمرته بالقراءة فقرأ، وذلك فى الآية على طريق المجاز، فإِن الله سبحانه وتعالى لا يأْمر بالفسق، وبيان ذلك المجاز أنه تعالى صب عليهم النعم صباً ليشكروها ويعملوا فيها الخير فجعلوها ذريعة إِلى المعاصى ولما كان صب النعم سبباً لعدم الشكر وللفسوق أو حاملا على ذلك، فكأَنه تعالى هو الذى أمرهم بالفسق إِذ يسر لهم ما توصلوا به لعدم الشكر وللفسق ويحتمل أن يكون الكلام على طريق عدم تعلق الغرض بالمفعول، فلا ينوى للأَمر معمول كما تقول أمرته فعصانى، إِذا لم يكن مرادك الإِخبار بما أمرته بل مجرد ترتب عصيانه على الأَمر، وقيل معنى أمرنا مترفيها أكثرنا مترفيها، يقال أمر الشئ بنفسه أى كثر، وأمرته فأَمر، أى أكثرته فكثر يتعدى ويلزم بلفظ واحد ثلاثى، ومن المتعدى قوله - صلى الله عليه وسلم - "خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة" . والسكة بكسر فتشديد صف النخل والمهرة المأْمورة التى أكثر الله نتاجها فكان باسم مفعول وناب عن فاعله ضمير مستتر لا جار ومجرور أو ظرف أو مصدر، وقال مشرك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنى أرى أمرك هذا حقير. فقال - صلى الله عليه وسلم - إنه سيأْمر أى يكثر ويدل على ذلك قراءة يعقوب، أمرنا بهمزة فأَلف تعدية لأَمر اللازم الذى بمعنى كثر فالهمزة للتعدية والألف بدل من همزة الثلاثى، وروى هذه القراءة عن نافع وابن كثير، والمشهور عن نافع القصر لا المد الذى هو قراءة يعقوب، وقرأ أبو عمرو فى رواية أمرنا بالقصر وتشديد الميم أى أكثرناهم فالتشديد فيها تعدية لأَمر اللازم المخفف الذى بمعنى كثر أو مبالغة فى المخفف المتعدى وتحتمل قراءة أبى عمرو هذه أن يكون التشديد فيها للتعدية من أمر بضم الميم بمعنى صار أميراً، أى صيرنا مترفيها أمراء ورويت هذه القراءة عن أبى عثمان النهدى، وأبى العالية، وابن عباس وعلى، وفى مصحف أبى ابن كعب أكابر مجرميها فمكروا فيها، واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة الجمهور، قال أبو عبيدة: اخترتها معنى الكثرة ومعنى الأمر وضد النهى مجتمعة فيها، كذا قال أبو عبيدة، وليس ذلك الاجتماع مسلماً. { فَحَقَّ } أى وقع { عَلَيْهَا الْقَوْلُ } أى كلمة العذاب السابقة فى الأَزل، أى ما أوعدوا به من العذاب بحلوله أو وجب عليهم العذاب بظهور معاصيهم، { فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } أهلكناها بإِهلاك أهلها وتخريبها لكثرة خبثهم..
"دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أم المؤمنين زينب بنت جحش فزعاً يقول: لا إِله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإِصبعه الإِبهام والتى يليها. قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون. قال: نعم. إذا كثر الخبث، أى الشر والويل الهلاك" . رواه البخارى ومسلم.
قال بعضهم: التدمير الإِهلاك مع طمس الآثار وهدم البناء.