التفاسير

< >
عرض

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً
١٧
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكَمْ } خبرية للتكثير مفعول مقدم لقوله، { أهْلَكْنا } أى أهلكنا كثيراً { مِنَ الْقُرُونِ } المكذبة نعت لكم عندى، ولو منع كثير من العلماء نعتها، وهو بيان لها واختلفوا فى القرن، فقيل من فى مدة عشر سنين، وقيل عشرين، وهكذا بالمعقود إِلى مائة، وقيل مائة وعشرون، وعليه عبد الله بن أبى أوقى، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول القرن، ويزيد بن معاوية: آخره، ولم يذكروا تسعين، وذكرها بعض، والصحيح أنه مائة سنة وهو المشهور المأْخوذ به فى التاريخ والحساب.
روى محمد بن القاسم عن ختنه عبد الله بن بشر
"أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضع يده على رأس عبد الله فقال: سيعيش هذا الغلام قرناً. فقلت: كم القرن. قال: مائة سنة، فما زلنا نعد له حتى تمت له مائة سنة ثم مات" ، وإِنما ذلك رغبة فى إفادة الطالب وإِلا فالذى عندى أن المراد بالقرون فى الآية ونحوها الأُمم مطلقا لا باعتبار أزمنتها. { مِن } زائدة عند ابن مالك، وقيل ابتدائية { بَعْدِ نُوْحٍ } كعاد وثمود وغيرهم، وذلك تخويف وتحذير لكفار مكة أن يصيبهم من الهلاك مثل ما أصاب الأَمم الماضية إن أصروا على الكفر. { وَكَفَى بِرَبِّكَ } فاعل كفى والياء للتأْكيد وربما جاء فاعل كفا بلا ياء كقوله:

كفى الشيب والإِسلام للمرء ناهياً

وقول الآخر:

ويخبرنى عن عائب المرء هديه كفى الهدى عما غيب المرء مخبرا

وإِنما تزاد فى الغالب كفى فى مقام المدح والذم { بِذُنُوبِ عِبَادِهِ } متعلق بقوله: { خَبِيراً } أو بقوله: { بَصِيراً } ويقدر مثله الآخر، فإِن علق بالثانى قدر للأَول مثله ظاهراً وإِن علق بالأَول قدر مثله للقانى ضمير أو ليس ذلك تنازعاً لتقدمه وإِنما قدم للفاصلة وتشديد الترهيب بالمذنوب ومعنى خبير أنه عالم ببواطن الذنوب، ومعنى بصير أنه عالم بظواهرها. قال القاضى: وتقديم الخبير لتقدم متعلقه ونبه الله عز وجل بذلك على أن الذنوب هى أسباب الهلكة وأنه معاقب عليها.