التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَقَضى رَبُّكَ } قال ابن عباس أمر، وقيل أوجب وقيل حكم الحكم الجازم، وقيل وصى وقد قرأ الضحاك ووصى، وكذا قرأ ابن عباس فى رواية وابن مسعود وكذا هى فى مصحفه، وأخطأ من زعم أن هذا هو القراءة وإِن القراءة بالقاف تحريف منها بأَن ألصق الكاتب الواو بالصاد فصار قافاً، وكانت المصاحف غير منقوطة، خطأً عظيماً يؤدى إِلى أن لا يوثق بالقرآن وإِلى الطعن وقد حفظ الله سبحانه القرآن عن أن يغير. وعن ابن عباس وأوصى ويجوز أن يكون المعنى سبق علم الله فى الأَزل فيكون الخطاب فى تعبدوا للمؤمنين خاصة إِلى يوم القيامة ولا نافية وأن ناصبة والباء مقدرة أى بأَن لا تعبدوا وعلى الأَوجه السابقة الخطاب لجميع الناس وإِن ولا كما ذكر أو لا ناهية وأن مفسرة وأجيز أن يكون أن مخففة ولا ناهية وقوله وقضى ربك.. الخ. كالتفضيل لسعى الآخرة { أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ } أى إِلا ربك لأَنه الذى له الغاية العظمة ونهاية الإِنعام والعبادة غاية التعظيم فلا يستحقها إِلا من هو كذلك وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل: وقضاء ربك بالمد على الابتداء وأن لا تعبدوا خبر على أن لا نافية وأن ناصبة { وَبِالْوَالِدَيْنِ } أى وإِن تحسنوا بالوالدين فهو متعلق بمحذوف وذلك المحذوف معطوف على أن لا تعبدوا بأن ولا. لا على تعبدوا بدون ولا وإِلا تسلط النفى أو النهى عليه وليس بمراد وكأَنه قيل وقضى أن تحسنوا بأَن الناصبة أو بأَن تحسنوا أو وقضى أن تحسنون بأَن التفسيرية ويجوز تعليقه بمستأنف محذوف أى واحسنوا بالوالدين بكسر السين على الأَمر، ويجوز عطفه على لا تعبدوا إِذا جعلت لا ناهية ولا يجوز أن يعلق بقوله { إِحْسَاناً } لأَنه مصدر والمصدر لا يسبقه معموله، وقيل بالجواز لأَن معموله جار ومجرور، وقيل يجوز لأَنه مصدر لا ينحل إِلى الموصول الحرفى والفعل، لأَنه عوض من اللفظ بفعله وإِنما الذى لا يجوزه فيه ذلك هو الذى لا ينحل إِلى الموصول الحرفى والفعل، لأَن الموصول لا تقدم عليه صلته { إِمَّا } أن الشرطية وما التى هى صلة للتأْكيد أدغمت نون أن فى ميم ما ويدل لذلك تأكيد الفعل بعد بالنون ولو جردت "أن" عن "ما" لكان غير جائز تأْكيده. { يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا } فاعل يبلغ. { أَوْ كِلاَهُمَا } عطف على أحدهما، وقرأ حمزة والكسائى يبلغان بنون توكيد مشددة بعد مكسورة ألف اثنين وهما الوالدان، وحذفت نون الرفع للجازم وأحد بدل من الأَلف، ومعنى بلوغهما الكبر عندك أن يكونا فى بيته قائماً بهما فى حال كونهما قد كبرا وعجزا وكانا كلا عليك. { فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ } بالتنوين للتنكير وهو مبنى على الكسر لالتقاء الساكنين وذلك قراءة نافع وحفص هنا، وفى الأَنبياء والأَحسن، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بناء على الفتح تخفيفاً بلا تنوين، وقرئ بالفتح والتنوين، وقرئ بالضم منوناً وغير منون اتباع للهمزة كمنذ، والساكن جائز غير حصين ولا سيما المدغم وهو على ذلك كله اسم صوت يدل على ضجر وملل، وقيل اسم للصوت الذى يخرج من فم من ينفخ على شئ يقم عليه كرماد وتراب مما يكرهه ليزيله بالنفخ ثم توسعوا بذكره عند كل مكروه يصلهم، وقيل اسم للفعل المضارع الذى هو اضجر وأمَلَّ أو أكره أو تقدر ونحو ذلك، وعليه ابن هشام وفسر بعضهم أفٍ تباً وقبحاً، والمراد نهى الإِنسان أن يقول لوالديه: أفٍ، إِذا رأى منهما ما استقذره أو يستثقله، ويفهم غير هذا اللفظ من الأَلفاظ السوء المساوية والتى هى أعظم ومن الأَفعال المضرة كالضرب من ذلك اللفظ، لأَن العلة إضرارهما فهو منهى عنه بأَى لفظ كان، ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك بالكناية، أى لا تقل لهما شيئاً مما يضرهما ولا تفعل شيئا يضرهما وعلى هذا فلا مفهوم بخلاف الأَول، فإِن فيه مفهوم الخطاب الذى المسكوت عنه حكمه حكم المذكور، فما كان مساوياً فى التأْفيف فمفهوم المساواة ويسمى المحوى، وما كان أعظم فمن التنبيه بالأَذى على الأَعلى كالشتم والضرب ويسمى لحن الخطاب، وفهم النهى عن ذلك بطريق القياس، وقيل بطريق العرف، وقيل بطريق اللفظ وهو الذى يتبادر. قيل: نزلت الآية فى سعد بن أبى وقاص، أسلم وأُمه كافرة مشركة لما كان حق الوالدين عظيماً ولو كانا مشركين قرنه الله سبحانه وتعالى بعبادته، وقرن حقهما وعبادته فى القضاء ولم يرخص فى أدنى كلمة تنقلت من المتضجر مع موجبات الضجر، مثل أن يلى منهما ما ولياه منه فى صغره من بول وغائط وغيرهما وما تستقذر رؤيته أو رائحته، ومع أحوال لا يكاد صبر الإِنسان يدخل معها فى الاستطاعة وألزمه فى حقهما خمسة أشياء: الأَول - أن لا يقول لهما أفٍ وقد مر الكلام فيه وسواء فى هذه الخمسة أن يكونا كبيرين أو غير كبيرين وإِنما علقها بالكبر، لأَنه مظنة عدمها. الثانى عدم انتهارهما كما قال الله عز وجل. { وَلاَ تنْهَرْهُمَا } أى لا تغلظ لهما الكلام إِذا أراك ما لا يعجبك يقال نهره وانتهره ونهمه بمعنى واحد، والفرق بين التأْفيف والنهران، التأْفيف إِظهار الضجر بالقليل والكثير إِظهار المخالفة بالرد عليهما. الثالث: أن يقول لهما قولا يطيبان به نفساً كما قال عز وعلا { وَقُل لَّهُمَا قوْلاً كَرِيماً } حسناً جميلا ليناً لا سوء خلق فيه بدل التأْفيف مثل السلام عليكما، ومثل يا أبتاه ويا أُماه، وغير ذلك مما هو حسن أدب ونزول على مروءة كما قال إِبراهيم لأَبيه مع كفره يا أبت، ولا تدعهما بأسمائهما ولا بكنيتهما، بل يقول لهما كقول العبد الذليل للسيد الفظ الغليظ، وقد قيل من الجفاء وسوء الأَدب دعاؤهما بأَسمائهما ولا بأس بذكرهما فى وجههما بغير أسمائهما، كما قالت عائشة رضى الله عنها: قال أبو بكر كذا: وفعل أبو بكر كذا. الرابع: أن يبالغ فى التواضع لهما كما قال الله سبحانه وتعالى: { وَاخْفِضْ لَهُمَا جنَاحَ الذُّلِّ } أى تذلل وتواضع لهما حتى لا تمتنع من شئ أراده، شبه الذل بالطائر تشبيها غير مذكور وذلك التشبيه استعارة ملكية وأثبت له شيئاً من لوازم الطائر عند انحطاطه وانخفاضه وهو الجناح وذلك الإِثبات استعارة تخييلية كما جعل لبيد للشمال وهى ريح يداً وللقرة بكسر القاف وهى البرد زماماً فى قوله:

وغداة ريح قد كشف وقرة إِذ أصبحت بيد الشمال زمامها

أى زمام القرة، شبه الشمال بالإِنسان تشبيهاً مضمر، أى النفس على سبيل الاستعارة المكنية وأثبت لها ما لا يلازم الإِنسان وهو اليد على طريق الاستعارة التخييلية، وشبه القرة بنحو ناقة كذلك وأثبت لها لازم الناقة مثلا وهو الزمام كذلك، وأمره الله سبحانه وتعالى بخفض الجناح مبالغة ويجوز أن يكون المعنى واخفض لهما جناحك، كما قال واحفظ جناحك للمؤمنين وعليه فإِضافة الذل لبيان لزوم الذل فى حقهما وللمبالغة كما يقال حاتم الجود، كأَنه قيل جناحك الذليل وحاتم الجواد، وقرئ الذل بكسر الذال والمعنى واحد. وقال أبو حيان هو بالكسر للدابة ضد الصعوبة وبالضم للإِنسان ضد العسر كأَنهم فرقوا بذلك لأَن ما يلحق الإِنسان أكثر قدراً مما يلحق الدابة فاختاروا الضم لقوته فى الإِنسان والكسر لضعفه فى الدابة، وقيل المكسور بمعنى الانقياد { مِنَ الرَّحْمَةِ } من شدة شفقتك عليهما لكبرهما وافتقارك اليوم إِليهما كما كنت فى حال صغرك أفقر خلق إِليهما، ومن للتعليل، وقيل للابتداء وليست للبيان الخامس الدعاء برحمة الآخرة لهما غير مكتف برحمتك التى لا بقاء لهما كما قال الله عز وجل: { وَقُل رَّبِّ ارْحمْهُمَا } بالرحمة الدائمة وهى رحمة الآخرة، وهذا فى حق الوالدين المسلمين محكم وفى حق المشركين منسوخ بقوله تعالى: { { ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى } والفاسق من الوالدين عندنا مقيس على المشرك وأما الموقوف فيه منهما فيكف عن الدعاء له بخير الآخرة عندنا. وقال بعضنا يدعى له به ويتولى وأما عند مخالفينا فالموحد مطلقاً يجوز أن يدعى له بالجنة مطيعاً أو فاسقاً، وقيل يجوز أن يدعى للوالدين المشركين بأَن يهديهما الله إِلى الإِسلام، فإِذا هداهما فقد رحمهما فقد دخلا فى الآية، ولا نسخ فيها وذلك قول مخالفينا وهكذا يجوز عندهم الدعاء بالهداية للمشرك والفاسق ويمنع ذلك عندنا والظاهر عندى الجواز لما روى أنه دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعض الأَنبياء عليهم السلام كنوح، للمشركين بالهداية ولأَن الدعاء للمشرك والفاسق تقوية للإِسلام ولا فرق بينه وبين دعائهما إِلى الإِسلام، فكما أن الدعاء لهما بالهداية سبب لدخول الجنة كذلك دعاؤهما إِلى الإِسلام سبب له فإِن كان المنع لأَنه سبب لدخولها فليمنع دعاءهما إِلى الإِسلام ولا قائل به وإِنما الممنوع عندى الدعاء لهما بالجنة ونحوها من خير الاخرة كإِعطاء كتابه بيمينه واختلف أصحابنا فى الولاية والبراءة بالشريطة وفى الكشاف إِذا كان الوالدان كافرين فللولد أن يسترحم لهما بشرط الإيمان وأن يدعو الله لهما بالهداية. { كَما رَبَّيَانِى صَغِيراً } أى رحمة مثل رحمتهما وتربيتهما وإِرشادهما لى فى صغرى وفاء بوعدك للراحمين. قاله القاضى، ويجوز كون الكاف للتعليل وما على كل حال مصدرية سُئِلَ ابن عيينة عن الصدقة على الميت فقال: كل ذلك واصل إِليه ولا شئ له أنفع من الاستغفار ولو كان شئ أنفع منه لأَمركم به فى الأَبوين.
روى مالك فى الموطأ عن يحيى بن سعيد بن المسيب أنه كان يقال إِن الرجل ليرفع بدعاء ولده له من بعده وأشار بيده نحو السماء وقد اتصل بيدى جزء من الموطأ، وروى أو عمرو بن عبد البر ذلك بسند جيد ثم أسند عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"قال إِن الله سبحانه ليرفع العبد الدرجة فيقول: أى ربى أنى لى هذه الدرجة؟ فيقال باستغفار ابنك" والآية فى الوالدين الحيين ولكن طلب الرحمة لهما بعد موتهما والصدقة عليهما وسائر الأَعمال نافع لها على خلاف ذكره فى غير هذه السورة. قال عبد الحق فى العاقبة اعلم أن الميت كالحى فيما يعطاه ويهدى إِليه بل الميت أكثر وأكثر لأَن الحى قد يستقل ما يهدى إِليه ويستحقر ما يتحف به والميت لا يستحقر شيئاً من ذلك ولو كان مقدار جناح بعوضة أو وزن مثقال ذرة لأَنه يعلم قيمته وقد كان يقدر عليه فضيعه. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا مات الإِنسان انقطع عمله إِلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وأمر - صلى الله عليه وسلم - بالسلام على أهل القبور والدعاء لهم وفعل ذلك هو وما ذلك إِلا لكونه نافعاً لهم وقال - صلى الله عليه وسلم - "الميت فى قبره كالغريق ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديقه فإِذا لحقته كانت أحب إِليه من الدنيا وما فيها" . وقال أبو داود "إن رجلا من بنى سلمة قال: يا رسول الله، هل بقى من أبوى شئ أبرهما بعد موتهما به قال الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإِنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التى لا توصل إلا بهما وإِكرام صديقهما" . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من أحق الناس بحسن صحبتى قال أُمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك فأَدناك" . رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة وروى مسلم عنه أنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه. قيل من يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة" وروى أيضا عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لن يجزى ولد والديه إِلا أن يجده مملوكا يشتريه فيعتقه" . وروى هو والبخارى عن عبد الله ابن عمرو بن العاص "جاء رجل إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه فى الجهاد قال: أحى والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد قال. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضى الرب فى رضى الوالد وسخط الرب فى سخط الوالد" . أخرجه الترمذى مرفوعا وموقوفا. قال وهو أيضاً وأخرج أيضاً عن أبى الدراداء قال "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الوالد أوسط أبواب الجنة فإِن شئت فضيع ذلك الباب أو احفظه" . وقال إنه حسن صحيح. "قال ابن مسعود سأَلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى الأَعمال أحب إِلى الله تعالى؟ قال الصلاة على وقتها. قلت: ثم أى؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أى؟ قال الجهاد فى سبيل الله" . رواه البخارى ومسلم قال الشيخ هودرحمه الله ذكروا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن فوق كل بر براً حتى إِن الرجل ليهرق دمه فى سبيل الله، وإِن فوق كل فجور فجورا حتى إِن الرجل ليعق والديه وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من أصبح بارا لوالديه أصبح له بابان مفتوحان إِلى الجنة، وإِن كان واحد فواحد ومن أصبح عاقا لوالديه أصبح له بابان مفتوحان إِلى النار، وإِن كان واحد فواحد وإِن ظلماه وإِن ظلماه وإِن ظلماه. وروى "أن رجلا قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - إن أبوى بلغا من الكبر أى ألى منهما ما وليا منى فى الصغر فهل قضيتهما؟ قال: لا فإِنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما" "وشكا رجل إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوء خلق أُمه فقال: لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر. قال: إِنها سيئة الخلق. قال: لم تكن سيئة الخلق حين أرضعتك حولين. قال: إِنهما سيئة الخلق. قال: لم تكن سيئة الخلق حين اسهرت ليلها وأضنأت نهارها. قال: لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عاتقى. قال: ما جازيتها ولو طلقة واحدة" . ورأى ابن عمر رجلا يحمل أمه ويقول:

إِنى لها مطية لا تذعر إِذا الركاب نفرت لا تنفر
ما حملت وأرضعتنى أكثرالله ربى ذو الجلال الأَكبر
تظننى جازيتها يا ابن عمر

قال لا ولو زفرة واحدة. "وشكا رجل إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به وإِذا شيخ يتوكأ على عصى فسأَله فقال: إِنه كان ضعيفا وأنا قوى وفقيرا وأنا غنى فكنت لا أمنعه شيئا من مالى واليوم أنا ضعيف وهو قوى وأنا فقير وهو غنى ويبخل على بماله فبكى عليه السلام فقال: ما من حجر ولا مدر يسمع ذلك إِلا بكى ثم قال للولد أنت ومالك لأَبيك، أنت ومالك لأَبيك" . وروى ليفعل البار ما شاء أن يفعله فلن يدخل النار وليفعل العاق ما شاء أن يفعله فلن يدخل الجنة يعنى أن برهما سبب لحسن الخاتمة وعقهما سبب لسوئهما روى سعيد ابن المسيب أن البار لا يموت موتة سوء "وقال - صلى الله عليه وسلم - إِياكم وعقوق الوالدين فإِن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام ولا يوجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جار إِزاره خيلاء" ، إِن الكبرياء لله رب العالمين والضابط أن يطيعهما فى كل ما ليس معصية. روى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بعض أهل بيته وكان فيما أوصاه به أطع والديك، فإِن أمراك أن تخرج من مالك كله فافعل وإِن أمراك بمكروه لا إِثم فيه وجب عندى أن تطعيهما وإِن أمراك بمعصية فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق سبحانه وتعالى: وزعم أبو يوسف صاحب أبى حنيفة أنه إِن أمر الوالد أبوه أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد والصواب المنع ولا يذهب بأَبيه إِلى كنيسة اليهود ولا إِلى بيعة النصارى وإِذا بعث إِليه منها ليحمله فعل، ولا يناوله الخمر ويأَخذ الإِناء منه إِذ شربها. استأَذن حذيفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى قتل أبيه وهو فى صف المشركين فقال: دعه يليه غيرك وسأَل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين فقال أن لا يقوم إِلى خدمتهما عن كسل وسأَل بعضهم، فقال: أن لا ترفع صوتك عليهما ولا تنظر شزرا إِليهما ولا يريا منك مخالفة فى ظاهر ولا باطن وأن تترحم عليهما ما عاشا وتدعو لهما إِن ماتا وتقوم بخدمتة أودائهما من بعدهما. "وعن النبى - صلى الله عليه وسلم - إِن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه" .