التفاسير

< >
عرض

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً
٣
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } منادى بحرف محذوف أى يا ذرية من حملنا مع نوح، على معنى القول والنهى، أى قلنا لهم لا تتخذوا من دونى وكيلا يا ذرية من حملنا أو على التعليل أى لئلا تتخذوا يا ذرية وكذا على تقدير على أو الياء أو منصوب على الاختصاص أى أخص ذرية من حملنا ... الخ .. لأَن الاختصاص قد يلى ضمير المخاطب نحو بك الله نرجو الفضل، وأما على قراءة يتخذوا بالتحتية فلا يصح الاختصاص لأَنه لا يلى ضمير غائب ولا يصح النداء بل يكون مفعولا أولا ووكيلا مفعولا ثانيا، وقدم لأَن الأَهم النهى عن اتخاذ الوكيل لا بيان من اتخذ ومفاصلة كذا قال ابن هشام، وقيل إن الفاصلة لا تكون قبل تمام الكلام ومن دونى حالا من وكيلا أى من ضميره ويجوز ذلك أيضاً على قراءة التاء الفوقية أيضاً وذلك أنهم اتخذوا بعض الناس أربابا فنهوا أو ذلك نفى بمعنى النهى لأَن المراد الزجر عن ذلك، والذرية يطلق على البعض والكل والمراد ببنى إسرائيل والذرية فى أوجه النداء والاختصاص واحد فإِن بنى إِسرائيل ذرية من حمل مع نوح وكذا غيرهم ذرية من حمل مع نوح وفى غير أوجه النداء والاختصاص المراد لا تتخذوا بعض ذرية من حملنا مع نوح وكيلا، وقد ارتكبوا هذا النهى لما اتخذوا عزيراً وعيسى وأُمه آلهة والمراد بمن حملنا أولاد نوح فقد لأَن غيرهم لم يلد أو المراد المجموع لكن بتخصيص أولاده وقرئ برفع ذرية على أنه خبر لمحذوف أى هم ذرية من حملنا مع نوح على قراءة الياء التحتية أو أنتم ذرية على قراءة الفوقية ويجوز أن يكون بدلا من واو يتخذوا بالتحتية لا بالفوقية لأَن الظاهر لا يبدل من ضمير الحاضر إلا بدل بعض أو اشتمال أو بدل كل بشرط أن يبدل بدل الكل على الإِحاطة كقولك جئتم صغيركم وكبيركم وقرأ زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وفسرها بولد الولد ولو بواسطات كثيرة كما هنا، والتحقيق أن الذرية الضم والكسر سواء بمعنى ولد الولد أو بمعنى الولد وعلى كل حال فنكتة ذكر ذرية من حمل مع نوح التذكير بإِنعام الله عليهم فى إِنجاء آبائهم من الغرق بحملهم فى السفينة مع نوح والحث على الشكر ليقتدوا بنوح فإِنه شكور كما قال { إِنَّهُ } أى نوحاً، { كَانَ عَبْداً شَكُوراً } فذكر هذه الجملة للحث عليه وللايماء بأَن أنجاه ومن معه ببركة شكره وللتعليل أى لا تتخذوا من دونى وكيلا لأَن نوحاً شكرنى ولم يكفر نعمتى باتخاذ الشريك وأنتم ذريته فكونوا مثله ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأَنهم أولاد المحمولين مع هذا العبد الشريف فهم متصلون به، ويجوز أن تكون الجملة قد ذكرت استطراداً حين ذكر نوح كما قال بعضهم الشئ بالشئ يذكر، أى يجوز ذكر شئ من قصة الشئ ولو لم تلائم المقام لذكر ذلك الشئ الذى له قصة وذكر الجملة هذه لحكمة عظيمة ولو خالفت ما قبلها وهى التلويح لكل أحد بالأَمر بالشكر، قيل كان نوح إِذا أكل قال الحمد لله الذى أطعمنى ولو شاء أجاعنى، وإِذا شرب قال الحمد لله الذى سقانى ولو شاء أظمأَنى، وإِذا اكتسى قال: الحمد لله الذى كسانى ولو شاء أعرانى، وإِذا احتذى أى لبس نعلا قال الحمد لله الذى حذانى ولو شاء أحفانى، وإِذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذى أخرج عنى إِذاه فى عافية ولو شاء حبسه، وكان إِذا أراد الإِفطار عرض طعامه على من آمن به فإِن وجده محتاجاً آثره به. وقال سلمان الفارسى رضى الله عنه وغيره: وصف نوح - صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم - بالشكر لأَنه يحمد الله فى كل حال وعلى كل نعمة على المطعم والمشرب والملبس والبراز، أى قضى حاجة الإِنسان وعلى فى ذلك كله للتعليل وقيل شكره حمده الله إِذا لبس ثوبا جديدا وقيل الإيمان، ونسب هذا للعامة وقيل الضمير لموسى أى أن موسى كان عبدا شكورا. قال ابن مبارك فى رقائعه أخبرنى أبو ذؤيب عن سعيد المقبرى عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال: يا رب ما الشكر الذى ينبغى لك. قال يا موسى لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. وقد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإِسنادين: الشكر الذى ينبغى أن لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله.