التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
٦٤
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ واسْتَفْزِزْ } استخف. { مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم } أن تستفزه إِلى المعاصى يقال رجل فزاى خفيف { بِصَوْتِكَ } أى بدعائك بالوسوسة إِلى المعصية والفساد. قاله ابن عباس وكل داع إِلى المعصية فهو من جنس إِبليس ودعاؤه إِليها دعاء إِبليس إِليها لأَنه الأَمير له الموسوس وكل دعاء إِلى المعصية دعاء من إِبليس بنفسه أو بالواسطة، وقال مجاهد صوته الغناء والمزامير والملاهى واللعب، والأَول أحسن لأَنه أعم. { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم } هول عليهم من الجلبة وهى الصوت الهائل الكثير المتخلط. { بَخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } بأَعوانك من راكب وماشى، والخيل راكبوا الأَفراس، كقوله - صلى الله عليه وسلم - "يا خيل الله اركبى" ، والتعبير بالياء فى اركبنى باعتبار ما وضع له لفظ الخيل فى الأَصل أو باعتبار جماعة الراكبين والرجل اسم جمع واحده ارجل كراكب وركب وصاحب وصحب بفتح الأَوائل، وقرأ حفص رجلك بكسر الجيم وقرأ بضمها، وذلك ثلاث لغات وقرئ رجالك بضم الراء وفتح الجيم مشدداً بعده ألف جمع راجل ورجلك كذلك لكن بدون الف كراكع وركاع وركع وقرأ الحسن رجالك بالكسر والتخفيف جمع رجل بفتح فضم وخيله ورجله الفرسان والمشاة الذين على الضلالة والإِضلال من الجن والإِنس بعد ما يغويهم فأَصوات الفرسان والمشاة الغاوين أصوات لإِبليس إِذا كانت أصواتهم فى الإِظلال والوسوسة وذلك منه - لعنه الله - كيد واحتيال واستعانة بمن كفر على من لم يكفر ويجوز أن يكون مجازياً للاستعارة التمثيلية بأَن شبه اجتهاده فى الإِغواء بإِغارة مغوار على قوم بفرسانه ومشاته حتى أستأْصلهم وبالأَوجه الأَول قال مجاهد والحسن؛ وقيل إن له فرساناً ومشاة من الجن تمشى فى الإِضلال كجند السلطان. { وَشَارِكْهمْ فِى الأَمْوَالِ } بحملهم على جمعها من الحرام كالربا والغرر والسرقة والغصب والرشوة ومع الزكاة ومن الغناء والمزمار وسائر ما لا تحل عليه الأجرة وعلى إنفاقها فيما لا يحل كإنفاق فى الزنا والمزمار، وكتصيير البعير بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو حام والذبح للأَصنام، وهذا أولى من قول بعض أن المراد ما يذبحون للأصنام وما يرحمون كالبحيرة { وَالأَوْلاَدِ } فالحمل على التوصل إِلى الولد بالسبب الحرام كالزنا والنزوج ما لا يحل ودعوى الولد بغير سبب والإِشراك فيه بالتسمية كتسمية عبد العزى وعبد اللات وعبد منات وعبد شمس وعبد الحارث وعلى الحمل على الأَديان الزائفة كعبادة الصنم واليهودية والنصرانية والمجوسية وعلى الأَفعال والأَقوال والاعتقادات المحرمة، ومن ذلك وأْد البنات. وعن ابن عباس أنه المراد فى الآية وعند التسمية باسم الشرك كعبد العزى وعبد شمس وقيل أولاد الزنى، وقيل الترغيب فى الدين الباطل والتعميم أولى وأدخل النقاش فى ذلك وطء الجان الإِنسية وأنها تحمل منه وذلك أن الرجل إِذا لم يذكر اسم الله وقت إِرادة الجماع أو تعرى أصاب الشيطان معه امرأته وأنزل معه فى فرجها كما ينزل الرجل، ويدل للوطء ظاهر أحاديث، قيل منها قوله - صلى الله عليه وسلم - "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأْتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإِن قدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً" ، فإِن قوله اللهم جنبنا.. الخ. مع قوله إِذا أراد أن يأْتى أهله يقتضى أن اللعين مشاركه ما فى هذا، وسأل رجل ابن عباس أن امرأته استيقظت وفى فرجها كشعلة نار. قال ذلك من وطء الجان. وذكر أبو الحسن على بن عثمان الزواوى المشانجلات من علماء بجاية أنه حدثه بعض الناس ممن يوثق به أن زوجته تجد هذا الأَمر. قال محدثه وأصغيت إِلى ما أخبرت به زوجتى فسمعت حسن ذلك وأما الحمل من وطء الجان فقيل لم نر فيه حديثاً صحيحاً ولا سقيماً، وأنه لو كان كما قال النقاش لكان شبهة يدرأ بها الحد من ظهر بها حمل ولا زوج لها لاحتمال أن يكون من وطء الجان، وقد يبحث فيه بأَنه إِنما يكون شبهة لو ادعته لا أن سكتت وبان فى بعض الأَخبار أن فكم معربين. قيل: وما المعربون. قال: الذين شارك فيهم الجن { وَعِدْهُمْ } المواعد الباطلة فى اتباعك على الضلالة كقولك لا جنة ولا نار، وقولك لا بعث، وقولك إِن الأَصنام تشفع لعابديها، وقولك إِن الإِنسان يكون عند الله كريما لكرامة آبائه أو شرف نسبهم، وأمرك بتسويف التوبة وإِطالة الأَمل من مغفرة الذنوب بدون التوبة والاتكال على الرحمة وشفاعة الرسول فى الكبائر والخروج من النار بعد أن صاروا حمماً، وإِيثاراً العاجل على الآجل ونحو ذلك مما يغر به المشرك والموحد أو كليهما، فإِذا قرر للاِنسان أنه لا بعث أو لا جنة ولا نار لم تكن له حاجة فى عبادة الله ولا مخالفة فى معصيته تعالى، فحينئذ يرغب فى الشهوات والأَوامر فى الآية كلهن للتهديد كقوله { { اعملوا ما شئتم } وقولك اجتهد جهدك فسترى ما ينزل بك، والا فإِن الله جل جلاله لا يأْمر بالفحشاء. { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ } بذلك. { إِلاَّ غُرُوراً } إِلا باطلا وأصله صدر استعمل بمعنى ما وقعت الخدعة وهو بالمعنى المصدرى تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب لأَنه يدعو إِلى طاعة نفسه، وينهى عن طاعة الله وإِلى طلب الرياسة ونحوها من الأُمور الشاقة وطلب اللاذات اللذات، فقد ينال الإِنسان ذلك وقد لا ينال مع تعب عظيم فإِن ناله فليس يصفو به بل يتكدر بالهرم والمصائب والزوال وموته ويعفيها عقاب لا يطيقه ولا ينقطع فلا غرور أعظم من ذلك، والجملة معترضة لبيان مواعيده أنها باطلة ويحتمل أن لا تكون معترضة بأَن يجعل ذلك من وضع الظاهر موضع المضمر وأن الأَصل وما تعدهم إلا غروراً.