التفاسير

< >
عرض

إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً
٧٥
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
٧٦
-الإسراء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إِذاً لأَّذَقْنَاكَ } جواب للو محذوفة أى إِذا لو ركنت أو إِذاً لو تأَكدت خطرتك أو إِذا قاربت لأَذقناك. { ضِعْفَ الْحَيَاةِ وِضِعْفَ الْمَمَاتِ } أى ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الموت أو ضعف عذاب زمان الموت فالممات مصدر ميمى وهو الظاهر المناسب لظاهر لفظ الحياة واسم زمان فتكون الحياة على هذا مصدر نائباً عن اسم الزمان أى زمان الحياة وضعف الشئ مثلا وأمثاله: فالمعنى إِذا لو فعلت لأَذقناك من عذاب الآخرة أكثر مما يعذب غيرك لأَنك خطير وخطأَ الخطير أخطر، وذلك تفسير ابن عباس، أعنى تقدير لفظ عذاب بعد لفظ ضعف فى المؤمنين والضعف باق على المصدرية، ولك أن تقول هو هنا بمعنى اسم مفعول أى مضاعفاً وأن الأَصل لأَذقناك عذاباً مضاعفاً فى الحياة وعذاباً مضاعفاً فى الممات وضع لفظ ضعف فى موضع مضاعف فكان عذاباً ضعفاً نعت لعذاباً ثم حذف المنعوت وهو عذاباً وأُقيم النعت مقامه ثم أُضيف كما يضاف منعوته، فقيل ضعف الحياة وضعف الممات كما يقال عذاب الحياة الممات وقد ورد لفظ الضعف نعتاً فى قوله تعالى: { { فأتهم عذاباً ضعفاً } وقيل عذاب النار وعذاب الممات هو عذاب القبر وعذاب النار، وقيل عذاب القبر وقل عذاب النار، وأما عذاب الحياة فهو عذاب الدنيا، وقيل عذاب الممات عذاب القبر وعذاب الحياة عذاب الآخرة بعد البعث، "ولما نزلت الآية إِلى قوله { نصيراً } كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم لا تكلنى إِلى نفسى طرفة عين" . { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ علَيْنَا نَصِيراً } مانعاً من عذابنا دافعاً إِياه عنك، ولما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة واستقر بها ونصره أهلها حسده اليهود فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأَرض الأَنبياء، وأن أرض الأَنبياء الشام وهى المقدسة وكان بها إِبراهيم عليه السلام فإِن كنت نبياً فالحق بالشام حتى نؤمن بك، وإِنما يمنعك من الخروج إِليها مخافة الروم وأن الله سيمنعك منهم إِن كنت منهم إِن كنت رسوله، فوقع ذلك فى قلبه فخرج مرحلة وقيل ثلاثة أميال، وقيل بلغ ذا الحليفة فأَقام حتى يجتمع إِليه أصحابه ويراه الناس عازماً على الخروج إِلى الشام لحرصه على إِسلام الناس فنزل قوله جل وعلا:
{ وَإِنِ كَادُوا } أى اليهود. { لَيَسْتَفِزُّونَكَ } يستخفونك بمكرهم وحيلهم ويعجلونك. { مِنَ الأَرْضِ } أرض المدينة { لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا } فرجع إِلى المدينة ثم قاتل بنى قريظة وأجلى بنى النضير فالآية مدنية فى سورة مكية. قال الحضرمى: والصحيح عندى أن الآية مكية وإِن الواو ضمير لكفار قريش وأن الأَرض أرض مكة يريدون أن يستخفوه ويزعجوه عنها، وهو قول ابن عباس ومجاهد وهو أليق بالسورة وبالآية قيل هذه الآية، وقيل المراد المشركون كلهم تظاهروا عليه أن يستفزوه عن أرض العرب { وَإِذا } لو خرجوك منها أو لو استفزوك هذا معنى إِذاً ولك تقدير لو بعد. { لاَّ يلْبَثُونَ } بالرفع لكونه مع إِذاً معطوفاً على يستفزونك وهو مرفوع واقع موقع المفرد لأَن الفعل فى خبر كاد واقع موقع الاسم، كذا قال الزمخشرى فى التعليل أو لأَنه جواب للو محذوفة، وقال الصفاقصى جواب قسم أى والله إِذاً لو أن استفزوك وقرأ أبى لا يلبثوا بالنصب بإِذا والعطف كما ذكر أو على جملة وإِن كادوا ليستفزونك وعينه الزمخشرى فى قراءة النصب، والذى عندى جواز العطفين فى كل من القراءتين ووجه إِهمالها فى قراءة الرفع اعتماد ما قبلها على ما بعدها، وقد تقرر جواز إِعمالها وإِهمالها بعد العاطف { خِلاَفَكَ } أى لا يلبثون فى تلك الأَرض بعد خروجك منها. { إِلاَّ قَلِيلاً } لبثا قليلا أو زماناً قليلا ثم نهلكهم أو نخرجهم، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى ويعقوب وحفص خلافك بكسر الخاء وبألف بعد اللام بمعنى خلق وهو لغة. قال الشاعر:

عفت الديار خلافهم فكأَّنما بسط الشواطب بينهن حصيرا

والشواطب النساء اللاتى يشفقن الجريد ليعمل منه الحصير والشطب سعف النخل الأَخضر، والآية تعطى أن اليهود لم يستفزوه فلم يهلكوا إِهلاكاً يكون جزاء لاستفزازهم وإِهلاكهم وإِخراجهم الواقعان إِنما هما لغير الاستفزاز وذلك قريظة أهلكوا والنضير أجلوا، وعن ابن عباس أن قريشاً استفزوه بعد أن كادوا يستفزونه فأَهلكوا بعد إِخراجهم إِياه بقليل وهو عام يوم بدر ووجهان ووجه أن يقدر أن الشرطية أو لو الشرطية غير الامتناعية بعد إِذا وضمن إِذا معنى ذلك وإِن إِخراجهم إِياه هو تضييقهم عليه حتى خرج، وعن مجاهد أن قريشاً تريد إِخراجه فلم يقع لما أراد الله سبحانه بقاء قريش من الاستئصال.