التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً
١١٠
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ } آدمى. { مِثْلُكُمْ يُوْحَى إلَىَّ أَنَّمَآ إلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ } وجملة يوحى إلىَّ إلى آخره مستأنفة أو خبر ثان وإنما فى الموضعين للحصر ويؤول بمصدر ما بعد الثانية فيكون نائب يوحى أى يوحى إلى وحدانية إلهكم وعدم الشريك له فى الملك والعبادة.
أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تعليما للتواضع لئلا يزهى على خلقه أى ما أنا إلا آدمى مثلكم لا أدعى الزيادة عليكم ولا الإحاطة بالعلم إلا أنى خصصت بالوحى كما قال ابن عباس.
وقيل: قال المشركون: ما أنت إلا بشر مثلنا فأمره الله عز وجل أن يقول: ما أنا إلا بشر مثلكم لكن اصطفانى للوحى وخصَّنى به دونكم.
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ } أى لقاءه بخير ورضاه عنه أو يرجو حسن لقائه أو من كان يعتقد البعث.
{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً } وهو عمل الطاعات والعبادات.
{ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ } أى فى عبادة ربه { أَحَداً } أى لا يرائى أحداً بعبادته ولا يحب السمعة ولا يطلب بها أجراً بل يخلصها لله سبحانه وتعالى، فإن الرياء شرك أصغر يحبط العمل كما يحبطه الشرك لكن لا تلزمه الإعادة بل التوبة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر. قال: الرياء" .
وروى الربيع بن حبيب عن أبى عبيدة عن جابر عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: من عمل عملا أشرك فيه غيرى فهو له أى لغيرى" . كما فى رواية: "هو للذى علمه له كله وأنا أغنى الشركاء عن الشرك" . ومثله لمسلم ابن الحجاج صاحب الصحيح المشهور فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللبيهقى وغيره: قال الربيع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صلى أو صام أو تصدق رياء فقد أشرك" .
قال عن أبى عبيدة عن محمد بن المنكدر عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم: "يأتى على الناس زمان الشرك فيه أخفى من ذرة سوداء على صخرة صماء فى ليلة ظلماء يعنى الرياء أو ما يعتقده الإنسان ويصف به الله وهو شرك ولا يدرى" .
وعن سعيد بن أبى فضلة: سمعت رسول الله صلى الله عيله وسلم "إذا جمع الله الناس ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان يشرك فى عمله لله أحدا فليطلب ثوابه منه فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك" . أخرجه الترمذى وقال: حديث غريب.
وعن مسلم ابن عبد الله البجلى عنه صلى الله عليه وسلم:
"من سمَّع سمَّع الله به ومن يرائى يرائى الله به أى أسمَعَه المكروه" . رواه البخارى ومسلم.
قيل:
"نزلت فى جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى أعمل العمل لله فإذا اطُّلِعَ عليه سرنى. فقال: إن الله لا يقبل ما شورك فيه" . وروى أنه قال: "لك أجران: أجر السر وأجر العلانية وهذا إذا قصد الاقتداء به" .
وروى أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى رجل أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى مكانى فسكت النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية قال جابر بن زيد: "أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصدق بصدقة ألتمس فيها الحمد والأجر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله لا شريك له فأنزل الله هذه الآية: { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }" .
وروى أنها نزلت فى رجل إذا صلى أو صام أو تصدق فذُكر بخير ارتاح لذلك فزاد فى ذلك لمقالة الناس والله أعلم.