التفاسير

< >
عرض

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَتَحْسَبُهُمْ } تظنهم يا محمد لو رأَيتهم ولم نخبرك بأنهم رقود والخطاب لكل من يصلح للظن أو الخطاب وقرئ بكسر السين.
{ أَيْقَاظاً } جمع يقظ بضم القاف وكسرها أَى تحسبهم غير نائمين لانفتاح عيونهم وقيل: لكثرة تقلبهم.
{ وَهُمْ رُقُودٌ } نائمون. الجملة حال من هاء تحسبهم والرابط واو الحال والضمير بعده أو من ضمير تحسب فالرابط الواو وأَنت خبير بأن المراد باليقظة كون الإنسان غير نائم وقيل: المراد الانتباه من النوم كما هو المتبادر.
{ وَنُقَلبُهُمْ } فى نومهم لئلا تأكل الأرض ثيابهم وأجسامهم وقرئ يقلبهم بالمثناة آخر حروف الهجاء والضمير المستتر عائد إلى الله سبحانه وتعالى والمعنى: تقلبهم ملائكتنا أو تقلبهم ملائكتى فحذف المضاف وجعل الفعل كما يناسب المضاف إليه أو أسند الله سبحانه وتعالى للتقليب إلى نفسه لأنه أمر به وواقع بإذنه ويجوز أن يكون تقلبهم بقدرة الله بلا واسطة مَلَك.
وقرئ وتقلبهم بتاء مفتوحة مثناة وقاف كذلك وضم اللام وفتح الباء الموحدة وهو مصدر مفعول به بمحذوف أى وتشاهد تقلبهم يدل عليه قوله عز وجل: وتحسبهم أيقاظا.
واختلفوا فى تقلبهم فقيل: كثير كما مر وقيل: يقلبون فى السنة مرة واحدة يوم عاشوراء وهو رواية عن ابن عباس وقال أبو هريرة: يقلبون كل سنة مرتين.
{ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } أى نوقع التقليب فى جنبهم الأيمن إلى جنب الشمال وفى جنب الشمال منهم إلى الأيمن.
{ وكَلْبُهُمْ } كلبُ راعٍ مروا به يتبعهم وتبعهم الكلب كما يأتى إن شاء الله وأضيف إليهم لأن الراعى صاحبه واحد منهم أو روعى مصاحبة الكلب لهم فى ذلك المكان أو فيه وفى طريقهم إليه وأضيف إليهم باعتبار تلك الملابسة فقط ولو فى حق مالكه وألفى كونه مالكه ولو اعتبر مالكه واعتبرت الملابسة فى حق غيره للزم استعمال الإضافة فى معناها الحقيقى ومعناها المجازى.
وقرأ جعفر الصادق: وكالبهم بوزن فاعل للنسب كَلاَبنٍ وتامرٍ أى وصاحب كلبهم.
وقيل: إن الكلب الذى تبعهم إنما هو كلب تبعهم لما مروا به وروى أنهم طردوه فأنطقه الله فقال: أنا أحب أحباء الله فناموا وأنا أحرسكم ويؤيد القول الأول قراءة جعفر المذكورة.
{ بَاسِطٌ ذِرَاعيْهِ } يديه. قيل: إنه إلى الآن باسط يديه وهو كحالهم حى نائم يقلَّب إذا قلِّبوا ويفترش أذنه. وعلى هذا إنما عمل اسم الفاعل لأنه للحال وقيل: إنه مات وذهب قبل نزول الآية فقيل: إنما عمل اسم الفاعل مع أنه للماضى تنزيلا للحالة الماضية منزلة الحالة الحاضرة تقريراً لأمر ذلك الكلب وبسطه كأنه مشاهد.
وقال الكسائى: إن اسم الفاعل يعمل ولو كان للماضى لهذه الآية ونحوها وهكذا الخلق فى صيغة المبالغة واسم المفعول وذلك فى نصب المفعول وأما رفع الفاعل والنائب فلا يشترط الحال أو الاستقبال والمانع لعمل الذى للماضى يُؤَول ذلك بتنزيل الحال الماضية منزلة الحاضرة ويقدر الفعل ويجعله هو الناصب وذلك عندى تكلف والواضح قول الكسائى لكثرة الأدلة عليه والأصل عدم تأويل الكثير.
{ بِالوَصِيدِ } فِناء الكهف وقيل: الوصيد: الباب. وقيل: العتبة والباء للظرفية أو للإلصاق. روى عن ابن عباس أن كلبهم أعور فوق القلطى ودون الكردى والقلطى كلب الصين. قال مقاتل: كان أصفر. قال بعض: هو شديد الصفرة حتى ضرب إلى الحمرة وهو قول محمد بن كعب القرظى. وقال الكلبى: لونه كالذهب. وقيل: كلون الحجر وقيل: كلون السماء. وعن ابن عباس: أبيض. وعن علىّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أبلق وأن اسمه قطمير وهكذا روى عن ابن عباس أن اسمه قطمير وعن مجاهد قنطموريا وعن عبد الله بن كثير قطمور. وعن علىّ أيضا حران وعنه أشهريان. وعن شعيب حران كما مر عن علىّ. وعن الأوزاعى مواو. وعن عبد الله بن سلام بسيط وعن كعب صهبان وعن وهب بغى.
وقالوا: من أراد أن لا ينبح عليه كلب فليقرأ: { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد }.
وذكروا أن الحيوانات التى تكون فى الجنة: عجل إبراهيم وكبشه الذى فدى به ابنه، وحوت يونس، وبقرة قوم موسى المذكورة فى سورة البقرة، وناقة صالح وفصيلها، وكلب أهل الكهف، وفأرة سبأ، وهدهد سليمان ونملته، وحمار عزير، وناقة سيدنا محمد وبلغته وحماره يعفور صلى الله على سيدنا محمد وسلم على الأنبياء وباقى الحيوان يكون ترابا.
{ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ } أشرفت عليهم ببصرك وقرئ بضم الواو تشبيها بواو الجمع.
{ لَوَلَّيْتَ } لرجعت وراءك. { مِنْهُمْ فِرَاراً } أى هيبة التى ألبسهم الله إياها لئلا يصل إليهم أحد إلى المدة التى أراد الله إيقاظهم فيها أو يميتهم فى منامهم وفراراً مفعول مطلق لأن التولية المتصلة بالاطلاع بلا فصل لا تخلو عن فرار وأيضا التولية لفظ عام ويجوز كون مفعولا من أجله أو حالا تأكيدا ومبالغة كأنه نفس الفرار أو تقدير مضاف أى ذا فرار أو بالتأويل باسم الفاعل أى فارا.
{ وَلمُلِئْتَ } وقرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام للمبالغة وقرئ بقلب الهمزة ياء مع التخفيف { مِنْهُمْ } من للتعليل أو للابتداء.
{ رُعْباً } وقرأ ابن عامر والكسائى ويعقوب بضم العين كالراء وهو بالإسكان والضم: الخوف الذى يملأ الصدر من رعبت الشئ ملأته وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة. وقيل: لطول أظفارهم وشعورهم وعظم أجسامهم وانفتاح عيونهم كالمستيقظ الذى أراد أن يتكلم. وقيل: لوحشة مكانهم.
وروى أن معاوية غزا الروم فمر بالكهف فقال: لو كشف لنا عن هؤلاء لننظر إليهم فقال له ابن عباس: ليس لك ذلك وقد منع الله عز وجل ذلك من هو خير منك فقال: لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا. فقال له معاوية: لا أنتهى حتى أعلم علمهم فبعث ناسا وقال لهم: اذهبوا فانظروا ففعلوا فلما دخلوا الكهف بعث الله تعالى ريحا فأحرقتهم.
وزعم بعضهم أن أهل تلك الأرض يقلمون أظفار أصحاب الكهف ويقصرون شعور رءوسهم ولحاهم وينفضون الغبرة عن ثيابهم مرة فى سنة وأن بعض رسل الملوك رآهم فخرجوا سالمين ولعلهم رسل معاوية وقيل: هم فى رستاق بين عمورية ونقيرة فى جبل علوه ألف ذراع ليس له سَرَب من وجه الأرض يؤدى إليهم وفى أعلى الجبل كهف يشبه البئر ينزل منه إلى باب السَّرَب ويمشى مقدار ثلاث خطوات ثم يفضى إلى بيوت منقورة منها بيت مرتفع العتبة مقدار قامة وعليه باب من حجر فيه أصحاب الكهف طليت أجسادهم بالصَّبِر والكافور وكلبهم عند أرجلهم رأسه مستدير إلى ذَنَبه لم يبق إلا رأسه وعَجُزه وفِقار ظهره ووهم أهل الأندلس فى قولهم: إنهم الذين فى لَوشة وإنما هؤلاء شهداء قال بعض من وثق به غيرى: لقد رأيت أصحاب الكهف فى ذلك الكهف الذى بين عمورية ونقيرة سنة عشر وخمسمائة.