التفاسير

< >
عرض

مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً
٥١
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ مَا أَشْهَدْتُهُمْ } ما جعلتهم شاهدين أى حاضرين. وقرئ ما أشهدناهم تعدى لاثنين بالهمزة والثانى هو قوله: { خَلْقَ } وهو مصدر مضاف لمفعوله وكذا الذى بعد والهاء عائدة إلى إبليس وذريته فكأنه قيل: ما أشهدت إبليس وذريته خلق { السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } أى ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا أشهدت بعضهم خلق بعض فضلا عن أن أتقوى بهم وأستعين بهم على خلق السماوات والأرض على خلق أنفسهم فكيف يكونون أهلا للعبادة مع أنهم ليسوا بخالقين ولا معينين على الخلق وإنما يستحق العبادة الخالق والإشراك فى استحقاق العبادة يستلزم الإشراك فى الخالقية.
وقيل: الهاء فى أشهدتهم وأنفسهم عائدة للمشركين فيكون الكلام على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أى ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعم عيينة وأمية.
والمتبادر رجوع الهاء إلى إبليس وذريته وقيل: هى عائدة إلى الملائكة فأما خلق الإنسان فمن التراب بواسطة خلق أبيهم منه وهم من نطفة. وأما الجن فمن نار السموم بواسطة أبيهم الأول وهو إبليس. وقيل غيره وهم بعد الأول من نطفة كبنى آدم بأزواجهم.
قال مجاهد عن الشعبى: إنى لقاعد ذات يوم إذا أقبل جمال أبى صاحب إبل سائق أو راع فقال: أخبرونى هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك العرس ما شهدته يريد أنه لم يتزوج فكنى بنفى حضوره العرس عن عدم وجود العرس وبعدم وجود العرس عن عدم الزوجة قال: ثم ذكرت قوله عز وجل: { أفتتخذونه وذريته } فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة. فقلت: نعم له زوجة.
وقيل: إن إبليس وذريته يدخلون أذنابهم فى أدبارهم فتكون فى أدبارهم بَيض فتنفتق البيضة عن جماعة من الجن.
وقيل: إن فى الفخذ اليمنى ذكراً وفى اليسرى فرجا فينكح فخذاً بفخذ فيكون البيض المذكور.
قيل: من ذرية إبليس لاقيس وولهان وهو صاحب الطهارة والصلاة يوسوس فيها والهفاف ومرة وبه يكنى. وزنبور وهو صاحب الأسوار يزين اللعن والحلف الكاذب ومدح السلع. وتبور وهو صائب المصائب يزيِّن خمش الوجه ولطم الخد وشق الجيب. والأعور وهو صاحب الزنى ينفخ فى ذكر الرجل وفى عجُز المرأة وقُبُلها ويزيّن المرأة ولو كانت قبيحة حتى تكون أجمل من الجميلة. ومطوس وهو صاحب الأخبار الكاذبة يلقيها فى أفواه الناس لا يجدون لها أصلا. وداسم وهو الذى يدخل مع الإنسان بيته إذا لم يسلم ولم يذكر الله فيبصره ما ترك العيال ولم يرقبوه وما وضعوه فى موضع لا يحسن وما أفسدوا فيخاصمهم ويغلظ عليهم.
قال الأعمش: ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله ولم أسلم فأرى مطهرة. فأقول: ارفعوا وأخاصمهم. ثم أتذكر فأقول: داسم داسم.
وقد أخرج الربيع بين حبيب رضى الله عنه بسنده والترمذى عن أبى بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إن للوضوء شيطانا يقال له: الولهان فاتقوا وسواس الماء" لكن فى رواية الربيع "لبدء الوضوء" .
وأخرج البخارى ومسلم "عن عثمان ابن أبى العاص قلت: يا رسول الله إن الشيطان قد أحال بينى وبين صلاتى وقراءتى يلبِّسها علىّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له خترب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت فأذهبه الله عنى" .
وأما الملائكة فأجسام نورانية خلقهم الله تعالى من حيث شاء أو من نور. وقد روى أن جبريل ينغمس فى بحر من نور فينتفض فيخلق الله من رشاشه ملائكة. وروى أنهم يخلقون من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ } لغيرهم عن دين الله والمضلون هم المشركون أو إبليس وذريته على الخلاف فى مرجع الهاء المذكورة فيكون من وضع الظاهر موضع المضمر ذمّاً لهم واستبعادا لأن يتخذهم الله عضدا وهذا مع ما بعده تصريح بنفى اتخاذهم عضدا بعد التلويح إليه بنفى إشهادهم خلق السماوات والأرض وخلق أنفسهم من حيث إن إحضارهم لذلك اعتضاد بهم.
والمعنى: كيف أعتضد لدينى بمن يصد عنه وقد مر أنه قيل: الهاء للمشركين. ويدل له قراءة بعض وما كنتَ بفتح التاء خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى لست تلتفت إلى نصر الدين بهم طمعا فى قولهم: لو أسلمنا لأسلم الناس ولا يصح لك ذلك.
وقرأ علىّ متخذا بالتنوين فيكون المضلين منصوبا على المفعولية وهو الأصل والإضافة تخفيف عنه.
{ عَضُداً } أعوانا فى نصر الدين أو خلق السماوات والأرض وخلق أنفسهم، وهذا الوجه الثانى إنما هو على قراءة ضم التاء.
وقرئ بإسكان الضاد تخفيفا. وقرأ الحسن بنقل ضمتها إلى العين فتكون ساكنة تخفيفا.
وقرئ عضدا بضم العين والضاد وبفتحتين جمع عاضد كخادم وخدم وراصد ورصد من عنَّده إذا قواه.