التفاسير

< >
عرض

فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً
٦٥
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا } وهو الخضر عند الجمهور.
وقيل: اليسع. وقيل: إلياس. وقيل: هو ملك من الملائكة. والصحيح الأول وهو الذى ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب التواريخ.
"وسمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز تحته خضراء" والفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة. رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد: لأنه إذا صلى اخضر ما حوله وروى عنه إذا مشى. قيل: ذلك لقبه وكنيته أو العباس واسمه بليا بن ملكان كان من بنى إسرائيل. وقيل: من أبناء الملوك التاركين للدنيا وملك آباؤهم وجده ثالع بن يقطن بن عامر ابن شانح بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام والمشهور أن اسمه موسى.
روى أن موسى وفتاه وجداه عند الصخرة بعد الرجوع إليها متغطيا بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأَتَّى بأرضك أى أرضك هذه. وروى: بأرضنا السلام. قال: أنا موسى.
قال: موسى بنى إسرائيل؟
قال: نعم أتيتك لتعلمنى مما علمت رشداً.
قال: إن لك فى بنى إسرائيل شغلا وفى التوراة كفاية أمرنى ربى بذلك.
وقيل: وجداه على طنفسة خضراء على وجه الماء متوشحا بثوب أخضر قائما يصلى.
وقيل: اتبعا سبيل الحوت فى البحر فوجداه يصيلى على طنفسة خضراء فى وسط الماء.
وقيل: اتبعا الحوت سبيله فى البحر حتى خرج بهما إلى جزيرة فإذا هما بالخضر فى روضة يصلى فأتياه من خلفه فسلم عليه موسى فأنكر الخضر السلام فى ذلك الموضع فرفع رأسه فعرفه فقال: وعليك السلام يا نبى بنى إسرائيل.
فقال: وما يدريك أنى نبى بنى إسرائيل؟
قال: أدرانى بك الذى أدراك بى.
وقيل: وجد مصليا على الماء كما مر فسلم عليه فقال: بأرضنا السلام ثم رفع رأسه واستوى جالساً فقال: وعليك السلام يا نبى بنى إسرائيل الخ.
فقال: لقد كان لك فى بنى إسرائيل شغل.
قال موسى: إن ربى أرسلنى إليك لأتبعك وأتعلم من علمك ثم جلسا يتحدثان فجاءت خطافة فحملت بمنقارها من الماء.
قال الخضر: يا موسى خطر ببالك أنك أعلم أهل الأرض وما عِملك وعِلم الأولين والآخرين فى جنب علم الله إلا أقل من الماء الذى حملته الخطافة فى منقارها.
وقيل: إنما كان المذكور من قصة الخطافة بعد ما كانوا فى السفينة وجلسوا فى قرقورها.
وعن الكلبى: بلغنا أنهم لم يتفرقوا حتى بعث الله طائراً فطار إلى المشرق ثم طار إلى المغرب ثم طار إلى السماء ثم هبط إلى البحر فتناول من البحر بمنقاره وهما ينظران فقال الخضر لموسى: أعلم ما يقول هذا الطائر؟
فقال موسى: وما يقول؟
قال: يقول: ورب المشرق ورب المغرب ورب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ما علمك يا خضر وعلم موسى فى علم الله إلا قدر الماء الذى تناولته من البحر فى البحر.
{ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً } الوحى أو النبوة وقال الأكثر: الولاية ولم يكن نبيّاً عند الأكثر وهو الصحيح.
واستدل من قال بأنه نبى بقوله: { وما فعلته عن أمرى } أى بل بالوحى. وأجيب بأن المراد بل بإلهام واختار الشيخ عمرو التلانى أنه نبى والمراد بالولاية هنا كونه وليّاً لله سبحانه وتعالى.
وجملة آتيناه رحمة { مِنْ عِنْدِنَا } نَعت لعبد أو حال منه. أو من الضمير المستقر فى قوله: { من عبادنا } لأنه متعلق بمحذوف نعت.
{ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً } عندنا. المعنى: مما يختص بنا ولا يعلم بتعلم واكتساب وهو علم الباطن وهو علم الغيب يلهمه الله إلهاماً.