التفاسير

< >
عرض

فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً
٧٤
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَانْطَلَقَا } بعد خروجهما من السفينة يمشيان.
{ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } أى قتله الخضر. قيل: بلغا أيلة فوجدا غلمانا عشرة يلعبون فيهم غلام أظرفهم وأضوؤهم وجها فقتله بأَن لوى عنقه. وقيل: لواها وقلع رأسه.
وقال قوم: أمسك برجله وضرب برأسه الحائط فمات.
وقال سعيد بن جبير: أَضجعهُ فذبحه بالسكين.
وقال الكلبى: صرعه فنزع رأسه قلعاً.
وقال قوم: رفسه برجله حتى مات.
وروى أنه أدخل يده فى صرته فاقتلعها فمات.
وروى عبد الرزاق أنه أشار إليه بإبهامه وسبابته ووُسْطاه وقلع رأسه.
وقيل: رضخ رأسه بحجر فمات واسمهُ حوش. وقيل: يوشون. قال وهب: اسم أبيه ملاس واسم أمه رحمة.
قال الضحاك: كان يعمل بالفساد فيتأذى منه أبوه وأمه.
وعن الكلبى: كان يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح لجأ إلى أبويه فيحلفان شفقة عليه: لقد بات عندنا.
وروى أنه كان يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه.
وروى البخارى ومسلم واللفظ له عن أبىّ بن كعب
"عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغلام الذى قتله الخضر طُبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا" . وهكذا روى ابن عباس عن أبىّ بن كعب. وكذا أخبر حماد بسنده عن أبىّ بن كعب والفاء عاطفة تفيد أن قتله متصل بلقائه بلا مهلة تفكر واستكشاف حال لعلمه بحاله من طريق الإلهام. وجواب إذا هو قولهُ { قَالَ } موسى منكرا موبخا للخضر على قتله الغلام:
{ أَقَتَلْتَ نَفْسَاً زَكِيَّةً } طاهرة من الذنوب لأنها لم تبلغ الحلم فلا يكتب عليها ذنب كما قال ابن عباس: يعنى موسى أن الغلام لا ذنب له لعدم بلوغه فلا يستحق القتل حدا من الذنب لأنه عار من الذنب ولا قصاصا من نفس قتلها؛ لأنه لم نره قتل أحدا كما قال { بِغَيْرِ نَفْسٍ }.
وظاهره أنه لو أذنب ذنبا موجبا القتل فى الجملة كالزنا مع الإحصان أو قتل نفسا لقُتل وذلك لم يثبت ولو فى شريعة موسى وإنما أراد موسى أنه لا ذنب للغلام ولو عمل ولا يقتل بنفس ولو قتلها لأن فعل الطفل خطأ ولو تعمد فهو غير مذنب ولا قاتل وإن كان قاتلا فكأنه غير قاتل لأنه لا يشمله خطاب النهى عن قتل النفس.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وورش عن يعقوب زاكية بألف بعد الزاى وتخفيف الياء. وقرأ الباقون بدون ألف وتشديد الياء والمعنى واحد لكن فى الثانية مبالغة.
وقال أبو عمرو: الزاكية بألف: التى أذنبت وتابت والزكية بدون ألف وبالتشديد التى لم تذنب قط ولذلك اختار القراءة بالثانى. وإنما جعل جواب إذا الأولى خرقها فكأن حكاية اعتراض موسى على الخضر مستأنفة وجعل جواب إذا الثانية حكاية اعتراضه عليه وجعل القتل من جملة شرطها لأن قتل نفس زاكية بغير نفس أقبح والاعتراض عليه أدخل فى القبول فكان جديرا بأن يجعل من عمدة الكلام الذى يبنى عليه الجواب ولذلك وصله بقوله { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً } بضمتين كما قرأ نافع فى رواية قالون وأبو بكر وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون بضم النون وإسكان الكاف وكذا فى الموضع الثانى وفى الطلاق وكلاهما بمعنى المنكر وهو نعت لشيئا وقوله نكرا أعظم من قوله إمرا لأن قتل النفس الزاكية بغير نفس أمر لا يتدارك وخرق السفينة أمر يمكن تداركه بالسد وإمكان عدم إغراق أهلها وقيل بالعكس لأن إغراق أصحاب السفينة قتل أنفس وقتل الغلام قتل نفس واحدة.
وكتب نجدة الحرورى إلى ابن عباس: كيف جاز قتله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان؟ فكتب ابن عباس إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل رواه مسلم بمعناه.
وعن قتادة أن الفكر أشد وأعظم من الأمر وأنه لما شدد موسى غضب الخضر وقلع كتف الغلام اليسرى وبشر عنها اللحم وإذا على عظم كتفه مكتوب: كافر لا يؤمن بالله أَبدا. ويدل لهذا ما مر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طبع كافرا.
وروى أن يوشع قال له أيضاً فى الاعتراض الثانى. يا نبى الله اذكر العهد الذى أنت عليه.