التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ ٱلشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
٨٦
قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً
٨٧
-الكهف

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ حَتَّى إذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ } أى فى عين ذات حمأة. والحمأَة. الطينة السوداء المنتنة. ويقال: حمئت البئر أى صارت فيها الحمأَة.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى وأبو بكر حامية أى حارة. وهى قراءة ابن مسعود وطلحة وابن عمر والحسن.
"وعن أبى ذر رضى الله عنه: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل فرأى الشمس حين غابت فقال: يا أبا ذر أتدرى اين تغرب هذه؟
قلت: الله ورسوله أعلم. فإنها تغرب فى عين حامية"
. ولا منافاة بين القراءتين لجواز أن تكون العين جامعة للطينة السوداء وللحرارة.
وقرأ ابن عباس حمئة عند معاوية. فقرأ معاوية حامية بالألف وياء.
فقال ابن عباس: حمئة.
فقال معاوية لعهد الله بن عمر: كيف تقرأ؟
قال: كما يقرأ أمير المؤمنين. ثم وجه إلى كعب الأحبار: كيف تجد الشمس تغرب؟
قال: فى ماء وطين. كذلك نجد فى التوراة.
وروى أنه قال: فى ناط أَى ماء وطين فوافق قراءة ابن عباس وكان رجل حاضرا فأَنشد:

فرأَى مغيب الشمس عند ماء بها ............. البيت

وروى أَن ابن عباس وعمرو بن العاص اختلفا فى القراءة فجعل بينهما كعبا فوافق ابن عباس.
ولعل غيوبها فى ماء وطين إنما هو بحسب نظر بالغ بساحل البحر المحيط بأن يكون قد بلغه ذو القرنين فرآها كذلك إذ لم يكن - حيث يقع بصره - غير الماء كما أن راكب البحر يراها كأنها تغيب فى البحر ولذلك قال: { وجدها تغرب } ولم يقل: كانت تغرب فكأنه قيل: تغرب فى ظنه أو علمه غير المطابق أو فى الحال التى لقيها كأنها تغرب فى ذلك؛ فإن جرم الشمس أضعاف الدنيا ولكن رواية كعب يتبادر منها أنها تغيب فى ذلك حقيقة ولو احتملت التأويل المذكور وعلى التأويل قرب الله له ساحل الجانب الآخر غير الذى هو فيه بقدر ما يرى طينه ويرى الشمس كأنها غائبة فيه وتكون العين البحر المحيط. ويجوز أن تكون فى معنى عند أى عند عين حمئة.
{ وَوَجَدَ عِنْدَهَا } أى عند العين من الجانب الذى هو فيه { قَوْماً } لباسهم جلود الوحش وطعامهم ما لَفَظَه البحر وهم كفار.
وقال ابن جريج: هم قوم فى مدينة لها اثنا عشر ألف باب وهم كفار. ويقال: إنها جابرسا واسمها بالسريانية حرحيسا.
وقيل: بعضهم مؤمن وبعضهم كافر.
وروى أنهم قوم من ثمود آمنوا بصالح وفيهم كفار لولا ضجيج أهل تلك المدينة لسمع الناس وجهة الشمس حين تَجِب أى حين تغيب. فإن كان هذا حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم فلا إشكال وإلا فما لنا لا نسمع ضجيجهم الغائب لوجبتها عن أسماعنا.
{ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ } بالقتل على كفرهم { وَإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً } بالإرشاد إلى التوحيد وتعليم الشرائع فذلك تخيير له بين قتلهم ودعائهم إلى الإيمان. وقيل: تعذيبهم: قتلهم واتخاذ الحسن فيهم: أسرهم سماه إحساناً بالنظر إلى القتل وفى مقابلته. وقيل: تعذيبهم: قتلهم. واتخاذ الحسن فيهم: تركهم. وقيل: اتخاذ الحسن: أن يأسرهم فيعلمهم الإيمان. وعلى أن فيهم مؤمنين وكافرين فالمراد بالقوم الكافرون والكلام فى التعذيب واتخاذ الحسن كما أن المراد بالقوم الكافرون والمؤمنون وإما تقسيم لفعله فيهم فالتعذيب للكفرة واتخاذ الحسن للمؤمنين والأول أنسب بقوله: { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ } نفسه بالكفر والمعاصى والإصرار عليهما بعد أن دعوته للإيمان.
{ فَسَوْفَ نُعَذِّبهُ } نقتله إن لم يكن كتابياً معطياً للجزية فهم كحكم هذه الشريعة. ظاهر كلام بعض أنه قال: الحسن.
{ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى ربِّهِ } للبعث إذا قامت الساعة.
{ فَيُعذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً } غير مألوف وغير معروف لشدته قال قتادة: كان يطبخ من أصر على الكفر فى القدورة فيجتمع عليه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وقرئ بإسكان الكاف.