التفاسير

< >
عرض

أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَـٰكِنِ ٱلظَّالِمُونَ ٱلْيَوْمَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٨
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٣٩
-مريم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } الهاء فاعل أسمع جر بالباء لمجئ فعله على صيغة الأمر، وأبصر مثل أسمع لكن فاعله محذوف، أى أبصر بهم، لدلالة ما قبله، والفعلان للتعجب مصروفا إلى المخلوق أى تعجب من إبصارهم وسمعهم يومئذ بعد ما كانوا صما عميا فى الدنيا.
وقيل: معناه التهديد بما يسمعون ويبصرون، مما يسوؤهم ويشق قلوبهم.
وقيل: إنهما فعلا أمر مستتر فاعلاهما، والجار والمجرور المذكوران والمقدران فضلات: والصحيح الأول، وعليه ابن هشام.
قال الشيخ خالد: وإنما حذف لدليل مع كونه فاعلا لأن لزومه للجر كساه صورة العلّية، خلافا للفارسى وجماعة، ذهبوا إلى أنه لم يحذف ولكنه مستتر فى الفعل حين حذفت الباء كما فى قولك: زيد كفى كاتبا أصله كفى به كاتبا.
وردَّه ابن مالك بوجهين: أحدهما لزوم إبرازه حينئذ فى التثنية والجمع.
والثانى: أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كَنَا من أكرم بنا. انتهى كلام الشيخ خالد.
وقد يجاب بأن عدم إبرازه لإلحاقه بضمير أفعل فى نحو ما أحسن زيدا. فكما لم يجمع ولم يثن فيما أفعل كذلك فى أفعِلْ به، لاتفاق الفعلين فى المعنى، ولكونه فى تركيب جرى مجرى لمثل فلا بغير. وكان للفارسى أن يلزم امتناع الاستتار فى نحو: أكرم بنا، ويخص الاستتار بغيره.
{ يَوْمَ يَأْتُونَنَا } هو يوم القيامة.
{ لكِنِ الظْالِمُونَ } المشركون والمنافقون.
وقيل: المراد من سبق ذكره، ووضع الظاهر موضع المضمر إشعار بأن لا ظلم أشد من ظلمهم، حيث غفلوا عن الاستماع والنظر حين يمنع ذلك { الْيوْمَ } فى الدنيا. { فى ضَلالٍ مُبين } عن الحق وهو ترك الاستماع والنظر.
وقيل: اليوم يوم القيامة قرن بأل التى للحضور لأنه لتحقق وقوعه كأنه حاضر أو أل فيه للعهد الذكرى أى هم فى ضلال عن طريق الجنة بخلاف المؤمنين.
{ وَأنْذِرْهُمْ } خوِّف يا محمد كفار مكة. يزعم زُويعم أن الإنذار منسوخ بآية السيف { يَوْمَ الحَسْرةِ } يوم بتحسر الناس كلهم، المسئ على إساءته، والمحسن على قلة إحسانه.
وقيل: المراد تحسر الكافر على فوات منزله فى الجنة، والصحيح الأول. عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم:
" ما من أحد يموت إلا ندم. قالوا: وما ندمه يا رسول الله؟ قال: إن كان مُحسنا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع أى كف عن الذنب" .
وزعم بعض عن أكثر المفسرين أن الحسرة لذبح الموت. عن أبى سعيد عنه صلى الله عليه وسلم: "يُؤتى بالموت على صورة كبش أملح، أى مختلط ببياض وسواد، ويجعل على سور بين الجنة والنار، فيناديهم مناد: يا أهل الجنة يا أهل النار فيشرفون أى يمدون أعينهم ينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقول: نعم هو الموت" . وفى رواية: "ينادى أهلَ الجنة: هل تعرفون هذا؟ فيقول: نعم ثم أهل النار كذلك، فيذبح على السور. فيقال يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة. ولو ان أحدا مات حزنا لمات أهل النار، ويزداد أهل الجنة فرحا، وأهل النار حزنا ثم قرأ: { وأنذرهم يوم الحسرة }" .
{ إذْ } بدل من يوم أو متعلق بالحسرة. { قُضِىَ الأَمْرُ } فرغ من الحساب، هذا إلى الجنة، وذلك إلى النار، أو قضى لهم العذاب مع الخلود، وذبح الموت.
ويجوز أن يراد بالحسرة الجنس؛ لأن فى ذلك اليوم حسرات هول الموقف، وأخذ الصحف بالشمائل، وزفير النار، وغير ذلك.
وذبح الموت تمثيل عن أنه لا موت؛ فإن الموت هو زوال الحياة، عرض لا جسم، فضلا عن أن يكون فى صورة كبش، أو يخلق الله جسما يذبح حقيقة، أو يرد الله العرَض جسما، والقدرة صالحة لذلك. ومشهور مذهب المنع من ذلك { وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ } فى الدنيا عن ذلك اليوم.
والجملة حال من ضمير الاستقرار فى قوله: { فى ضلال } وما بينهما اعتراض. وقيل: مستأنفة. وقيل: حال من هاء أنذرهم، ففيها معنى التعليل. وكذا الكلام فى قوله: { وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بذلك اليوم، لكن هذه الجملة إنما تكون حالا بواسطة العطف. ويجوز كون واوها للحال، وصاحب الحال ضمير الاستقرار فى قوله: { فى غفلة }.