التفاسير

< >
عرض

وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً
٦٤
-مريم

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إلاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } قال ابن عباس وغيره: سبب نزولها أن النبى صلى الله عليه وسلم أبطأ عنه الوحى فلما جاء قال: يا جبريل قد اشتقت إليك أفلا تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت. فهى حكاية لقول جبريل. فالضمير فى نتنزل لجبريل ونحوه.
وقال الضحاك ومجاهد:
"لما سئل صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الكهف وذى القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ورجا أن يوحى إليه، أو قال: غداً أخبركم فأبطأ عنه خمسة عشر يوماً. وقيل: أربعين. قال المشركون: ودعه ربه وقلاه. ثم نزل بيان ذلك، ونزل: { ما ودعك ربك وما قلى } وقال له النبى صلى الله عليه وسلم: أبطأت حتى ساء ظنى واشتقت إليك.
فقال: إنى كنت أشْوق، ولكنى عبد مأمور، إذا بُعثت نزلت، وإذا حُبست احتبست. ونزلت الآية"
.
وقال الداودى عن مجاهد: أبطأ جبريل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى فقال: ما حبَسَك؟
قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تأخذون من شواربكم، ولا تستاكون! { وما نتنزل إلا بأمر ربك }.
وعنه صلى الله عليه وسلم:
"إن العبد إذا تسوَّك ثم قام يصلى قام الملَك خلفه، فيسمع لقراءته ويدنو منه حتى يضع فاه إلى فيه، فما يخرج من فيه شئ من القرآن إلا صار فى جوف الملك. وإن صلاةً على أثر سواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك، وإن السواك مطهرة للفم ومرضاة للرب" .
والتنزل: بمعنى النزول على مهل، مطاوع نزل بالتشديد بمعنى التدريج أى إن نزولنا فى بعض الأحايين وقتاً غِبَّ وقتٍ، ليس إلا بأمر الله وعلى ما يراه صوابا وحمكة. وقد يكون بمعنى مطلق الإنزال، وليس بممنوع فى الآية ولكن الأول أنسب.
وقرأ الأعرج يتنزل بالتحتية. والضمير للوحى أو لجبريل. فإذا كان لجبريل فذلك، وذلك من كلام الله. ويجوز كونه من كلام جبريل، كما يقول زيد عن نفسه: زيد قائم. وقرأ ابن مسعود إلا بقول ربك.
{ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا } من أمر الآخرة. { وَمَا خَلْفَنَا } من أمر الدنيا.
{ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أو قيل: له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن والأحايين وما نحن فيه، لا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل فى زمان إلا بأمر من له الملك كله أجمع.
وقيل: ما سلف من أمر الدنيا، وما استقبل من أمر الآخرة وما بين النفختين وهو أربعون سنة، وهو البرزخ.
وقيل: ما معنى من أعمارنا، وغَبَر منها، والحال التى نحن فيها.
وقيل: ما قبل وجودنا وما بعد فنائنا وما بينهما.
وقيل: الأرض التى بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التى وراءنا وما بين السماء والأرض.
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } تاركا لك كما قالوا: ودعه ربه وقلاه. وإنما أخر النزول لحكمة، أو المعنى أنه لا يغفل ولا يذهل، فكيف نتقلب فى ملكوته إلا إذا رأى ذلك مصلحة وأذن لنا، وهو الحافظ العليم بكل حركة وسكون.
وقيل: أول الآية قول المؤمنين حين يدخلون الجنة. أى وما نتنزل الجنة إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ولطفه، وهو مالك الأمور السالفة والمرتقبة والحاضرة فما نجده وما وجدنا فهو من لطفه وفضله. وقرن جل وعلا قولهم بقوله: { وما كان ربك نسيا } أى لا ينسى أعمال العاملين وما وعدهم من الثواب كيف يغفل مدبر السماوات والأرض! أو ذلك كله من قولهم. والنسىّ صفة مبالغة بوزن فعيل أو مفعول، فأصله على هذا نسوى كصبور قلبت الواو ياء والضمة كسرة وأدغمت الياء فى الياء. وقرأ ابن مسعود وما نسيك ربك.