التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
١٣٩
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قُلْ }: يا محمد لليهود والنصارى الذين قالوا ذلك وأمروكم باتباع دينهم.
{ أتُحاجُّونَنا فى اللهِ }: أتتعاطون حجة تغلبوننا بها فى أمر الله الذى قضاه واختاره، وهو إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، واختيار دين الإسلام له الذى هو الحق وما سواه باطل، وحجتهم كون دينهم وكتابهم وقبلتهم أقدم، والأنبياء فيهم، وهى حجة أضعف من طنين جناح الذباب، وإنما هى فى بحبوحة البطلان، وبمعزل عن الصواب، لأن كتبهم وأنبياءهم تأمرهم باتباع محمد، صلى الله عليه وسلم، فهى حجة عليهم، ووخز متوجه إليهم، فكيف يفتخرون بأنبيائهم وكتبهم، وليسوا بمتبعيها، فمحاجتهم مخاصمة بالباطل، وهم فيها أقبح مجادل. وقرأ زيد بن ثابت أتحاجونا بإدغام نون الرفع فى نون المفعول.
{ وهُو رَبّنا وربكم }: مالكنا ومالككم وسيدنا وسيدكم، ومالك كل شئ وسيده يفعل ما يشاء، فله أن يختارنا ويختار محمداً ويخصنا ويخصه بما شاء، ويصيب برحمته من يشاء.
{ ولنَا أعْمالُنا }: نجازى بما نفعل، إن خيراً فخير، وإن شرا فشر، وعملهم على أمر الإسلام، وأمر الإسلام كله خير، لكن قولوا ذلك إرخاء للعنان وإظهاراً ليأسهم من أن يستقيم اليهود والنصارى، وذلك كقوله تعالى:
{ { وإنَّا أوإيَّاكم لعلَى هدًى أو فى ضَلالٍ مُبِينٍ } { ولكُم أعمالُكم }: تجازون بما تفعلون إن خيراً فخير، وإن شراً فشر وعملهم على الباطل وأمر الباطل شر، ولكن قالوا ذلك للإرخاء والإظهار المذكورين كما أسرت إليه.
{ ونَحْن لَه مُخْلِصُون }: نخلص له ديننا وعملنا، وأنتم تشركون به فى دينكم وعملكم، فلنا ولبنينا الاصطفاء دونكم، ففى قولهم: { نحن له مخلصون } تعريض باليهود والنصارى، أنهم غير مخلصين. قال الفضيل ابن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما، ووجه كون الترك من أجلهم رياء فيما يظهر أنهُ يخاف أن يقول الناس: لو عمل أنه عمل للرياء فترك ليبقى عندهم رجلا حسنا غير متهم بالرياء، وهذا أيضاً شرك لحديث: إن الرياء شرك أصغر، ولم يرد عياض أنه غير شرك، ولكن خص العمل لأجلهم باسم الشرك، لأنه من الرياء النوع الأكبر، ويجوز أن يريدوا بأعمالنا وأعمالكم: ما نفعل من خير مما وافق أمر الإسلام، وشر مما خالفه من نزع الشيطان، وما تفعلون مما ليس باطلا، وما تفعلون مما هو باطل، ويحتمل أن يكون الكلام على سبيل الفرض، والتقدير فى أن أهل الكتاب مصيبون فى دينهم وأعمالهم، فكأنه قيل قولوا لهم هب أن دينكم وأعمالكم صواب، ولكن ذلك إما من فضل الله عليكم بلا عمل فلا مانع من أن يتفضل علينا كما تفضل عليكم بالتوفيق، وأما بأسباب العمل والتهيئ للخير فنستحقه إذا عملنا وتهيئنا وذلك فى سائر الخير، وأما النبوة فقيل: تكون بلا سبب من العبد، وقيل: تترتب على عمله الصالح، وفى هذا كلام ذكرته فى مختصر القواعد والحاشية، فإذا كنتم غير مختصين يا معشر اليهود والنصارى، ونحن أخلصنا فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم، والهمزة فى (أتحاجوننا) للتوبيخ، وإنكار كو محاجتهم صوابا وجملة (هو ربنا) حال من لفظ الجلالة، أو من الواو فى أتحاجوننا، أو من قوله (نا) والواو للحال، وجملة (لنا أعمالنا) حال من الواو، ومن قوله (نا) أو من لفظ الجلالة، والواو للحال، ويجوز عطفها على جملة الحال، والواو للعطف، ويجوز أن تكون مستأنفة، والواو للاستئناف ولكم أعمالكم فيه. هذه الأوجه مع زيادة جواز عطفه على (لنا أعمالنا)، وكونه حال من ضمير الاستقرار فى لنا، وكذا نحن له مخلصون مع زيادة كونه معطوفا على (لكم أعمالكم)، وجوازه كونه حالا من قوله (نا) فى قوله (أعمالنا) والآية تتضمن المسالة وترك القتال، فهذا المعنى الذى تتضمن منسوخ عند بعض بآية القتال، وهذا لا غيره هو المراد بقول الخازن هذه الآية منسوخة بآية السيف فافهم.