التفاسير

< >
عرض

إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ
١٦٦
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ إذْ تبرَّأ الَّذينَ اتُّبِعُوا من الَّذِينَ اتَّبعُوا }: إذ بدل من إذا، وتبرأ بمعنى تباعد، والذين اتُّبعوا بالبناء للمفعول وهو الأول هو الرؤساء المطاعون، والذين اتبعوا بالبناء للفاعل وهو الثانى هم الأتباع المطيعون لهم، المقلدون لهم، ومعنى تباعد الرؤساء عن الأتباع تنزههم عنهم، وإنكار أن يكونوا قد أضلوهم، وقولهم قد ضلوا بأنفسهم لا بأمرنا وتزيننا بعد أن يقول الأتباع أضلنا الرؤساء، وذلك إذا أنزل العذاب يوم القيامة، وعجزوا أن يدفعوه عن أنفسهم، فضلا عن غيرهم، وقيل الذين اتبعوا بالبناء للمفعول هم الشياطين، والذين اتبعوا بالبناء للفاعل هم الإنس المتبعون للشياطين، وقرأ مجاهد ببناء الأول للفاعل والثانى للمفعول، أى تبرأ الإتباع من الرؤساء أن يكونوا على صواب، وأن يكونو أهلا أن يتبعوا.
{ وَرَأوا العَذابَ }: أى الذين اتّبعوا والذين اتَّبعوا جميعا، والجملة حال من الذين اتُّبِعوا أو من الذين اتَّبَعوا، أو منها على تقدير قد، وقيل لا يلزم تقدير قد بناءاً على جواز مجئ الفعلية الماضوية المصرفة الفعل المثبتة الفعل حالا، وقيل الجملة معطوفة على تبرأ الذين اتُّبعوا.
{ وتقطَّعتْ بهم الأسبابُ }: الباء بمعنى عن، والهاء للذين اتُّبعوا والذين اتبعوا، والأسباب الوصل التى كانت بينهم فى الدنيا من الأرحام والمودة والصحبة والأعمال التى كانت بينهم فى الدنيا خارجة عن الدين، متضادين بها عليه، والعهود والأيمان التى بينهم على الكفر سميت أسباباً تشبيهاً بالجبال التى يتوصل بها إلى الشئ، فاستعير لها اسم الحبال وهى الأسباب، وقيل أصل السبب الحبل الذى يرتقى به الشجر، وقرئ تقطعت بالبناء للمفعول، وتقطعت بهم الأسباب معطوف على تبرأ الذين اتبعوا، أو حال على حد ما مر فى رأوا العذاب، أو حال من الواو فى رأوا العذاب، وجاز العطف على رأوا وعطفه على تبرأ الذين أولى من الحال، والعطف على رأوا والحال فى رأوا أولى من العطف، قال السعد: لأن العطف فى رأوا يؤدى إلى إبدال إذا رأوا العذاب، من إذ يرون العذاب، وليس فى ذلك فائدة كبيرة بأن ما عطف على مدخول (إذا) كأنه مدخول لها، ولأن الاستعظام الحقيقى والاستقطاع هو تبرؤهم فى حال رؤية العذاب لا حال رؤيته، وأما تقطع ما بينهم من الأسباب والوصل فمستقل للاستعظام والاستقطاع، وليس تبعاً للتبرؤ.