التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ
١٧٥
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أولئكَ الذينَ اشْتروُا الضَّلالةَ بالهُدى }: أخذو الكفر والمعصية بدلا من الإيمان والطاعة فى الدنيا.
{ والعَذَابَ بالمغْفِرةِ }: أخذوا العذاب بدلا من المغفرة التى لهم لو تابوا، ويجوز أن يكون المراد بالضلالة كتمان صفات محمد، صلى الله عليهِ وسلم والحق، وبالهدى إظهار ذلك، وفى الكتم العذاب، وفى الإظهار المغفرة لو أظهروا.
{ فَما أصْبَرَهُم علَى النَّار }: تعجيب من الله للمؤمنين باقترافهم ما يوجب النار من غير مبالاة، كأنهم يطيقونها مع أنهُ لا طاقة لهم ولا صبر عليها ولو عشر لحظة أو أقل، لما كانت أعمالهم أعمال ما يصبر على النار لو كان شئ بعمل المعصية ويصبر على النار، شبه عملهم تلك الأعمال الموحية للنار بالصبر على النار، كأنها توجبها عن قريب قطعاً وحزما، فدعا المؤمنين أن يتعجبوا من ذلك الصبر الذى هو ارتكاب الأعمال التى هى كالنار، ويجوز أن يشبه العمل السئ بالنار، لأنه فى الحقيقة مؤلم فظيع ضار كالسم، كما أن النار تضر ولو زينه الشيطان، وذلك لأن فيه غضب السلطان المنعم المحبوب فى القلوب وقطيعته وهو الله، جل وعلا، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن طول مكثهم فى النار، وهو مكث دائم من غير إرادة للمعنى الحقيقى الذى هو شدة الصبر على النار، إذ لا يمكن الصبر عليها، ولو صبروا قليلا، ويجوز أن يشبه طول مكثهم الدائم فيها بطول حبس النفس على الشئ. والوجه الأول أوجه، وهو قول الربيع وقتادة والحسن وابن جبير، وقد علمت أن ما تعجبية وهى مبتدأ، فجملة أصبرهم خبر، وقال معمر بن المثنى إنها استفهامية، أى أى شئ صبرهم على النار، والاستفهام أيضا تعجبنى أو توبيخى، والجملة أيضاً خبر أو نكرة تامة مخصوصة بالمعنى، والجملة أيضا خبر، أى شئ عظيم أصبرهم على النار، أو نكرة موصوفة بالجملة بعدها والخبر محذوف، أى شئ صبرهم على النار شئ عظيم أو معرفة موصولة. والخبر محذوف، أى الذى أصبرهم على النار بشئ عظيم، أو نافية، أى ما جعلهم يصبرون على النار، والمشهور أنها تعجبية، والمعنى على التعجيب كما تقول متعجبا لمن تعرض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن، تريد أنهُ لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب، روى الكسائى أنه قال: قال لى قاضى اليمن بمكة: اختصم إلىَّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله، أى على عذاب الله.