التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٨٢
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَمَنْ خَافَ }: أى توقع أو رجح، يقال أخاف أن ترسل السماء إذا كره المطر وكرهته، وقد ترجّح عنده أنها ترسل، ويجوز تفسيره بعلم لجواز استعماله فى العلم بالمحذور.
{ مِنْ مُوصٍ }: وقرأ حمزة والكسائى ويعقوب وأبو بكر: موص (بفتح الواو وتشديد الصاد) ونص أبو عمرو الدانى: على أن هذه قراءة أبى بكر وحمزة والكسائى، ولم يذكر يعقوب، لأنهُ إنما يذكر السبعة فقط.
{ جَنَفاً }: ميلا عن العدل فى الوصية خطأ أو جهلا.
{ أو إثماً }: ذنبا أتاه فى الإيصاء على علم وعمد.
{ فَأصْلَحَ بينَهُم }: بين الذين أوصى لهم، أو بينهم وبين الورثة، أو بين الورثة على ما مر من النسخ وغيره، وذلك الإصلاح بالرد إلى العدل، وذلك يكون بيد الإمام أو الحاكم أو القاضى، أو الوالى أو الجماعة، وكل من أمكن لهُ إنفاذ العدل ورد الباطل.
{ فَلا إثْم عَليْهِ }: ويجوز أن يكون الحصر المذكور بإنما إضافيا منظورا فيه إلى المصلح، أى فإنما إثم التبديل مثلا على الذى بدل لا على المصلح، قال مجاهد: من خشى أن يحيف الموصى ويقطع ميراث طائفة ويتعمد الإيذاء، فذلك هو الإثم وإن لم يعمد، فالجنف، فالمعنى من وعظه فى ذلك ورده عنه، وأصلح ما بينه وبين ورثته، وما بين الورثة فى ذاتهم فلا إثم عليه.
{ إنَّ اللّهَ غَفورٌ رَحيمٌ }: للموصى إذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الإيذاء، وقال ابن عباس: من خاف أى علم ورأى بعد موت الموصى أن الموصى حاف وجنف وتعمد إيذاء فأصلح بين الورثة فلا إثم عليهِ، وإن كان فى فعله تبديل للإيصاء لأنهُ تبديل من جور إلى عدل. والإثم إنما هو فى تبديل الحق بالباطل والهوى، وقوله: { إنَّ الله غَفورٌ رحيمٌ } وعد للمصلح، كما أن قوله:
{ إنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ } وعيد لمن بدل العدل والحق، وذكر المغفرة ليطابق ذكر الإثم فى من تقدم، ولكون تبديل المصلح من جنس ما يؤثم به، لأنه تبديل لكن لا إثم فيه إصلاح إلى الحق والعدل، وهذا فى لفظ الإثم والمغفرة، وأما القصد فالمراد غفران ذنوب المصلح مطلقا لهذه الحسنة التى هى الإصلاح. والله أعلم.