التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢١٥
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَسْألونَك مَاذَا يُنفقُونَ قُلْ ما أنفَقْتُم مِنْ خَيْر فِللْوالِديْن والأقْربين واليَتَامى والمسَاكينِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْر فإنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم }: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيئين: أحدهما الشئ الذى ينفق أدنانير أو دراهم؟ وثمرا وحيوانا أو غير ذلك؟ والثانى من ينفق عليه؟ وذكر الله تعالى عنهم الأول فقط، وأجاب عن الثانى فقط إرشاداً لهم بأن الأهم السؤال على من ينفق عليه، لأن النفقة لا يعتد بها إلا إن وقعت موقعها، وأنشدوا:

إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع

ويجوز أن يقال: أجاب عن الله الأول أيضاً بقوله: { قل ما أنفقتم من خير }، وكأنه قيل المنفق مطلق الخير والمنفق عليهم هؤلاء، والخير المال الحلال لا يطلق الخير على المال إلا إذا كان حلالا، وقدم الوالدين، لأنهما أحق لأنهما سبب وجود الولد ومربياه، ثم الأقربين، لأنه لا يقوم بمصالح الفقراء كلهم، فقدموا لقرابتهم، ثم اليتامى، لأنهم ضعفاء لا يطيقون الكسب ثم المساكين، لأن حاجتهم دون حاجة اليتامى، وأخر ابن السبيل، لأنه أمر يعرض، وقد يكون له مال معه، أو فى بلدة يتسلف إليه، والمراد بالخير الثانى فى قوله: { وما تفعلوا من خير } العمل الصالح من إنفاق وغيره، وقوله: { فإن الله به عليم }، كناية عن المجاراة، والآية فى صدقة التطوع، وقال قوم منهم ابن مسعود فى الزكاة الواجبة: ونسخ منها الوالدان والأولاد، إذ لا يعطى الرجل أباه وأمه وولده الزكاة على ما تقرر فى الفقه، وعن السدى نزلت قبل فرض الزكاة ثم نسختها آية الزكاة. والصحيح أنها فى الصدقة التطوعية، ولا نسخ فيها وهو قول الجمهور، وعليه ابن جريح والحسن البصرى، وابن زيد فإن النسخ مبنى على منافاة المنصين ولا منافاة هنا، لجوار أن تكون الآية حثاً على بر الوالدين وصلة الأرحام وقضاء حاجات ذوى الحاجات تطوعاً أو بياناً لمن يجب إنفاقه للحاجة، ولو قيل أنها فى الزكاة لجاز وعليه فخصوا بالذكر تمثيلا لا حصراً، فلا ينافى إيجاب الزكاة، وإن مصارفها ثمانية أو سبعة، بناء على إسقاط سهم المؤلفة، لانتهاء الحكم بانتهاء علته، وعنه صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأفضل خمسة دنانير؟ هو الذى تنفقه على والدتك، وأفضل الأربعة الذى تنفقه على والدك، وأفضل الثلاثة الذى تنفقه على ولدك وزوجك وعيالك، وأفضل الدينارين الذى تنفقه على ذوى قرابتك، وأقلها أجراً تنفقه فى سبيل الله" .