التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢١٧
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يَسْألُونكَ }: أى المشركون أو سرية عبد الله بن جحش.
{ عَنِ الشَّهْرِ الحْرَامِ }: أى المحرم، وهو جنس الأشهر الحرم: ذى القعدة وذى الحجة والمحرم ورجب، وهو السبب فى السؤال إذا وقع فيه قتال من المسلمين كما يذكر قريباً، ويجوز أن يراد به فى الآية: رجب لأنه السبب، ويعلم غيره بالقياس عليه.
{ قِتَالٍ فِيهِ }: بحر قتال على أنه بدل اشتمال من الشهر الحرام، ويدل له قراءة عبد الله بن مسعود، عن قتال فيه، فعن قتال بدل من عن الشهر بدل اشتمال، وقرأ عكرمة: { قتَلْ فيه } قيل قتل فيه بإسكان التاء فيهما.
{ قُلْ }: يا محمد.
{ قِتَالٌ فِيهِ }: قتال مبتدأ: وسوغ الابتداء به وهو نكرة: تخصيصه بتعلق فيه به، أو بنعته به وخبره قوله:
{ كَبِيرٌ }: أى ذنب كبير، وأعيد لفظ قتال نكرة ليغاير الأول، لأن الأول قتال عبد الله بن جحش الذى يذكر بعد، وهو لنصرة الإسلام وأهله، وإذلال الكفر وأهله، والثانى القتال الذى يكون من المشركين فيه، لإذلال الإسلام، وإعزاز الكفر، ولهذه الدقيقة، لم يعرف الثانى، إلا أنه لم يصرح بها بل أتى بالكلام موهماً لما سألوا عنه من قتال ابن جحش فى الظاهر موافقاً للحق فى الباطن، لأن ذلك إدخال فى النصح، وإصغاء الخصم إلى كلام الناصح، فليس المراد تعظيم القتال المسئول عنه حتى يعاد بالتعريف، والسائلون هم المشركون، كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشنيعاً وتعبيراً لما فعله عبد الله بن جحش من القتال فى الشهر الحرام، وقيل: قدوم وفد المشركين بذلك من مكة إلى المدينة، ويحاب: بأن الوفد قدموا بكتاب ذلك من مكة، وقيل: السائلون أصحاب السرية سرية عبد الله بن جحش، سألوا ها أصابوا أو أخطئوا، لأن أكثر الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمون؛ ولأن ما قبل الاية وهو قوله تعالى:
{ { أمْ حَسِبْتُم أَن تَدْخُلُوا الجَنَةَ } وما بعدها، وهو قوله: { يَسْألُونَكَ عنِ الْخَمْرِ } و { ويَسْألوْنَكَ عَنِ اليَتَامَى } فى المسلمين فليكن هذا فيهم أيضاً، وقيل: السائلون المؤمنون مطلقاً إذ علموا بحرمة القتال فى الأشهر الحرام، ولما كتب عليهم القتال سألوا هل يحل ولو فى الأشهر الحرم.
{ وصَدٌّ }: أى منع مبتدأ عطف عليه { كُفْرٌ }، و { إخرْاجُ } والخبر قوله: { أكْبرُ } و { صَدٌ } و { كُفْرٌ } معطوفان على { كَبيرٌ }، و { إخراج } متبدأ خبره { أكبر } والأول أولى، وصح الإخبار بأكبر عن الثلاثة لأنه اسم تفضيل غير معرف، وصح الابتداء لصد وهو نكرة لتخصيصه بما تعلق به وهو قوله:
{ عَن سَبِيلِ اللّهِ }: أى التوحيد، أو الأحكام الشرعية، أو الأعمال الصالحات.
{ وكُفْرٌ بهِ }: أى بالله.
{ والمسْجِدِ الحرام }: هو مجرور بمضاف محذوف، وذلك المضاف مرفوع معطوف بالواو على صَد، وصد المسج الحرام أى منعه عن المسلمين ودل عليه الصد المذكور كقوله:

أكل امرء تحسبين امرءاً وناراً توقد بالليل نارا

أى وكل نار إلا أن الدال فى البيت مضاف وفى الآية غير مضاف، بل تعلق به ما يصح أن يضاف إليه، ولا يصح عطفه على سبيل الله لئلا يلزم الفصل بأجنبى، وهو قوله: { وكُفْرٌ به } بين أجزاء الصلة، وذلك أن صد مصدر مقدر بموصول حرفى، وفعل وهو صلته، والمتعلق بهذا الفعل فى حين الصلة، وهو قوله: { عَن سَبِيلِ اللّهِ } وإذا عطف عليه المسجد كان من تمام الصلة، وإنما كان قوله: { وكفر به } أجنبياً لأنه لا تعلق له بالصلة. وعطفه الزمخشرى كابن عطية على سبيل الله، أى عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام، وأجاب عما ذكر من لزوم الفصل الأجنبى بأن قوله: { وكفر به } فى معنى الصد عن سبيل الله، فكأنه لا فصل بأجنبى وبأن قوله: { وكفر به } محله عقب قوله: { والمسجد الحرام } إلا أنه قدم لشدة العناية، وإنما لم يجب بالتوسع فى الظروف لأنهُ يتوسع فيما تقديماً لا فصلا كذا قيل ولم يعطف على هاء به، لأنه لا يعطف على المجرور المضمر المتصل إلا بإعادة الخافض إلا ضرورة، هذا مذهب الجمهور من البصريين، وأجازه الأخفش ويونس منهم، والكوفيون وأبو على الشلوبين، وابن مالك واختاره جماعة.
{ وإخْراجُ أهُلِه }: أى أهل المسجد الحرام.
{ مِنْهُ }: أى وإخراج المشركين أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام، وهم المسلمون، والنبى صلى الله عليه وسلم، لأنهم القائمون بحقوق البيت فهم أهله، ولو صاروا من أهل المدينة للهجرة بخلاف المشركين، فليس أهلا للمسجد الحرام لشركهم، وإخراج المسلمين من مكة والحرم إخراج من المسجد، إذ لا يصلون إليه مع منعهم من مكة والحرم.
{ أكْبَر عِندَ اللّهِ }: وزراً مما فعلته سرية عبد الله بن جحش خطأ وبناءُ على الظن وذلك
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أمير المؤمنين عبد الله بن جحش ابن عمته الأسدى أميراً فى جمادى الآخرة، وقيل فى رجب قبل بدر الأولى بشهرين على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمة المدينة فى ثمانية من المهاجرين، ليس فيهم أنصارى وهو تاسعهم وأمره عليهم. وقال ابن اسحاق: فى إثنى عشر من المهاجرين هو ثالث عشر إلى نخلة على ليلة من مكة، يترصدون عيراً القِريش، وكتب له كتاباً وقال لهُ: سر على اسم الله ولا تنظر فى الكتاب حتى تسير يومين فإن نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امض إلى حيث أمرتك ولا تستكره أحداً من أصحابك على السير معك، فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب وإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش، لعلك تأتينا بخير، ولما نظر فى الكتاب قال: سمعاً وطاعة، وقال لأصحابه ذلك، وقال: إنه صلى الله عليه وسلم نهانى أن أستكره أحداً، فمن كان أراد الشهادة فلينطلق معى، ومن كره فليرجع. ثم مضى معه ومضى أصحابه، ولم يتخلف عَنْهُ أحد حتى بلغ موضعاً من الحجاز يقال له نجران، فاضل فيه سعد بن أبى وقاص، وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يتعقبانه، فتخلف فى طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه، حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك، مرت عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وخمراً وتجارة من تجارة الطائف - بفتح همزة أدم وداله أى جلوداً مدبوغة أو بعضها، وإسكان الدال، لأن فيها زيتاً وخمراً، وفى العير عمرو بن عبد الله بن الحضرمى، والحكم بن كيسان، وعثمان ابن عبد الله بن المغيرة أخوه، ونوفل بن عبد الله المخزوميان، وكان ذلك فى آخر يوم من جمادى الآخرة، يرون أنه من جمادى وهو من رجب فرمى واحد من أصحاب عبد الله بن جحش عمرو بن الحضرمى بسهم فقتله، فكان أول قتل من المشركين، وأسر الحكم وعثمان، فكان أول أسيرين فى الإسلام، وهرب نوفل ففاتهم وقد تبعوه، ووصل مكة فنظروا هلال رجب فلم يمكنهم الطلب، فقيل التقوا آخر يوم من رجب، وهابهم أصحاب العير، وعلم المسلمون بهيبتهم وقالوا: احلقوا رأس واحد منكم فيتعرض لهم ليأمنوا، فحلقوا رأس عكاشة وأشرف عليهم، فأمنوا من الخوف، وقالوا: قوم عمار فلا بأس علينا فتشاور المسلمون، وقالوا: نحن فى آخر يوم من جمادى، فإن قاتلناهم هتكنا حرمة الشهر، وإن تركناهم الليلة دخلوا حرم مكة، فأجمعوا على قتلهم، فقتلوا عمراً، وأسروا عثمان، واستاقوا العير، فكانت أول غنيمة فى الإسلام، وقسمها عبد الله بن جحش وعزل الخمس قبل أن يفرض، وقيل قدموا المدينة بالغنيمة كلها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام فأخر الأسيرين والغنيمة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر" ، وفى رواية "قالت: قريش قد استحل محمد الشهر الحرام، فسفك فيه الدماء، وأخذ الحوائب، وعير بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين، وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر، وقاتلتم فيه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال فى الشهر الحرام ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئاً من ذلك. فعظم ذلك على ابن جحش وأصحابه فظنوا أن قد هلكوا، وسقط فى أيديهم، فقالوا: يا رسول الله إنا أصبنا ابن الحضرمى، ثم أمسينا فرأينا هلال رجب، فلا ندرى أفى رجب أصبناه أم فى جمادى؟ وأكثر الناس فى ذلك، فأنزل الله هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، وقسم الباقى بين أصحاب السرية، ولما نزلت الآية كتب بها عبد الله بن جحش، وقيل عبد الله بن أنيس ولعلهما كتبا معاً فأخبر كل راو بما علموا إلى أن من فى مكة بعد أن كتبوا إلى ابن جحش: إن المشركين عيرونا بالقتال فى شهر تغمد فيه الأسنة، ويأمن فيه الخائف، ويتفرق الناس فى معايشهم، وقالوا: تزعمون مع ذلك أنكم على دين فهل حل ذلك؟ وفى ذلك قال عبد الله بن جحش:
* تعدون قتلا فى الحرام عظيمة * وأعظم منه لو يرى ذاك راشد *
* صدودكم عما يقول محمد * وكفر به والله وراء وشاهد *
* سقينا من ابن الحضرمى راجنا * بنخلة لما أوقد الحرب واقد *
وبعث أهل مكة فى فداء الأسيرين، قال: بل نبقيهما حتى يقدمنا سعد وعتبة، وإن لم يقدما قتلناهما بهما ولما قدما فإذا هما فالحكم أسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان فرجع إلى مكة ومات بها كافراً، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليجاوز الخندق، فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعاً، وقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن، قال صلى الله عليه وسلم؛؛ خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية"
، وروى أن المشركين جاءوا المدينة فقالوا: يا محمد أنَهَيْتَنا عن القتال فى شهر الحرم؟؟ وأرادوا أن يقول نعم هن باقيات على التحريم، غدروا. قال الشيخ هودرحمه الله : تحريم القتال فيها منسوخ كان قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة حيثما وجدوا، وكذا قال فى السؤالات: منسوخ عند أصحابنا، وإن الحسن قال غير منسوخ، وعن الزهرى ومجاهد: { قتال فيه كبير } منسوخ، والجمهور على أنه منسوخ كالزهرى ومجاهد، وسئل عطاء فحلف بالله ما يحل للناس أن يغزوا فى الحرم ولا فى الشهر الحرام إلا أن يُقَاتَلوا فيه، وما نسخت. وعن جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يغزوا فيها إلا أن يُغزا. وسئل سعيد ابن المسيب فقال: منسوخ. قال أبو عبيدة: الناس القائمون الثغور اليوم جميعاً يرون الغزو فى الشهور كلها، ولم أرا أحداً من علماء الشام والعراق ينكره عليهم. وقتال نكرة فى الإثبات فلا تعم، فليست دالة على عموم حرمه القتال فى الأشهر الحرم فضلا عن أن يقال نسخت الآية بقوله تعالى: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ولعل القول بنسخها وجهه: أنه قتال خاص، لكن علة تحريمه عامة وهو الوقوع فى الشهر الحرام، وفى نسخ الخاص بالعام خلاف. قالت الحنفية: كل واحد ينسخ الآخر، ومذهبنا ومذهب الشافعى أن الخاص قطعى فلا ينسخ بالعام لأنه ظنى.
{ والفِتْنةُ }: أى الشرك الذى عليه أهل مكة يومئذ، أو حملهم المسلمين على الشرك بالدعاء إليه وتزيينه أو إيذاؤهم المسلمين على الإسلام بالإخراج والضرب وأنواع الأذى، وهذا الوجه أولى وعليه الأكثر.
{ أكْبَرُ }: إثما وعقوبة وقبحاً.
و{ مِنَ القَتْلِ }: قتل ابن الحضرمى فى الشهر الحرام، لأن الشرك بالقلب وإيداء المسلمين على الإسلام لا يحلان بوجه، بخلاف قتل المشرك، ولا سيما إن كان قتله مبنياً على الخطأ فى الاجتهاد والغلط فى الحساب.
{ وَلاَ يَزَالُونَ يُقاتِلُونكُمْ }: على الإسلام.
{ حتَّى يَردُّوكم عَن دِينكُمْ }: حتى إما للغاية على اعتقادهم، أى أنهم اعتقدوا، أى المشركون، { ولاَ يَزَالُونَ يَقُاتِلُونكُم } حتى ترجعوا إلى الشرك، وإما للتعليل، أى ليردونكم عن دينكم كقولك اعبد الله حتى تدخل الجنة، أى لتدخلها، ويناسب التعليل قوله تعالى:
{ إنِ اسْتطاعُوا }: ردكم عن دينكم حيث أورد كلمة إن فى مقام الجزم بعد وقوع استطاعتهم على الرد؛ للإشارة، إلى أن ذلك طمع فارغ بعيد كل البعد، وما يُسْتَبْعَد وقوعه لا يجعل غاية، فإن الحمل عليها إنما يحسن فيما لا يكون ترتبه على الفعل بعيداً، والاستطاعة مستبعدة جداً على حد قول من يتق من نفسه أنه لا يغلبه مثله فى الحرب، إن ظفرت بى فاقتلنى ولا ترحمنى ووجه جواز الغاية أن الاستطاعة غير بعيدة فى طمع الكفار، لأنهم يطمعون فى رد المسلمين عن دين الله سبحانه وتعالى، ولما ذكر أن غرضهم بالقتال الرد عن دين الله أوعد على الارتداد لقوله:
{ ومَنْ يَرتَدِد مِنْكم عَنْ دِينهِ فَيَمُتْ وهُو كافِرٌ فأُولئك حَبِطتْ أعمالُهم فى الدُّنْيا والآخرة وأولئِك أصحاب ُالنَّارِ هُم فِيها خَالِدُون }: ويرتد مطاوع رد، يقال يرده إلى كذا فارتد، أى طاوعه فمضى إليه، ومن رده المشركون عن دينه، إلى الشرك فطاوعهم بالرجوع إلى الشرك، فمات على الشرك فهؤلاء الأخساء البعداء عن الخير، ورضى الله برجوعهم إلى الشرك قد فسدت أعمالهم الصالحات، فلا يثابون عليها فى الآخرة فهذا حبوطها فى الآخرة، ويقتل إذا ظفر به ويقاتل حتى يظفر به فيقتل، ففى الحديث عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم:
"من بدل دينه فاقتلوه ولا موالاه له ولا نعصرة عند المؤمنين ولا ثناء حسن، وتبين زوجته منه، ولا يستحق الميراث من المسلمين، وهذا حبوطها فى الدنيا" وأصل الحبوط الفساد، وأصل الحبط أن تأكل الإبل نبتاً يضرها، فتعظم بطونها فتهلك، فسمى بطلان العمل بحدوث ما يفسده حبطا تشبيهاً له بتناول الإبل ما يضرها، فإن ارتد ثم تاب قبل الموت لم يطالب بإعادة ما عمل وثبتت له حسناته عند الشافعى، وحجته التقييد بقوله: { فيمت وهو كافر } وقال أبو حنيفة: الردة تحبط الأعمال مطلقاً فإن تاب استأنف الأعمال وأعاد ما مضى لقوله تعالى { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } }. { { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } فأهله يقول التقييد المذكور معتبر فى قوله فأصحاب النار، وقد تكلم أبو عبد الله محمد بن عمرو بن أبى ستة فى حاشية القواعد، ويستتاب المرتد ثلاثة أيام، فان لم يتب قتل، وبذلك قال عمر ومالك وأحمد والشافعى فى قول له وأصحاب الرأى، وفى قول آخر له يقتل بلا اسْتِنَابة، وقد ذكرت مزيداً على ذلك فى جامع القواعد والحاشية، وميراثه فى بيت المال عند مالك والشافعى، ومشهور المذهب أن ماله فى الإسلام لورثته المسلمين وقد بسطت الكلام فى شرح النيل على ذلك، وقرئ حبطت بفتح الباء وهو لغة، ولما ظن عبد الله بن جحش ومن معه من السرية أنهم إن سلموا من الإثم إذا قتلوا فى الشهر الحرام، فليس لهم أجر أنزل الله تعالى: { إنَّ الَّذينَ آمنُوا.. }