التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٤٧
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وقالَ لَهم نبِيَّهم إنَّ اللّهَ قدْ بَعَثَ لكُم طَالُوتَ }: هُو متاول ابن قيس بن سبط بن يامين بن يعقوب، اسمه بالسريانية متأول وبالعبرانية شاف بن قيس ابن إيسان ابن ضرار ابن كرب ابن أفيح ابن أقبس ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
{ مَلِكاً }: طالوت علم عجمى وعجمته عبرانية، ولا وزن له صرفى، وإنما له وزن طبعى، ووزن عروضى، وهكذا سائر أسماء العجمة، وقيل إنه هو من الطول الألفاظ العربية وهو معنى ضد القصر وأنه بوزن فعلوت بفتح الفاء والعين، كرهبوت ورغبوت وأصله طولوت بفتح الطاء والواو، فقلبت ألفا لتحركها بعد فتحة، ويرده أنه لو كان عربيا لصرف لبقاء علة واحدة وهو العلمية، وأجيب بأنه منع الصرف للعلمية وشبه العجمة ليس فى أبنية العرب ما على هذه الصيغة، ويبحث بأنه إن أريد الوزن الطبعى فأبنية موجودة فى العربية كالفاروق والصرفى، فكذلك كرغبوت ورهبوت إلا إن أريد الصرفى مع إسكان الثانى، وثانى باب رغبوت متحرك، وأما ما يقال اتفقت فيه العجمة والعربية فى معنى الطول فباعتبار العربية بصرف قطعا وهو غير مصروف فى التلاوة، وباعتبار العجمة يمنع قطعاً، واتفاق اللفظ معنى فى لغتى العجمى والعرب لا يمنع الصرف مع علة أخرى، والداعى إلى القول بأنه من الطول ما روى أنه أطول رجل فى زمانه، وقوله تعالى: { وزاده بسطة فى العلم والجسم } وعن وهب بن منبه: كان أطول رجل فى بنى إسرائيل، وذكروا أنه كان أطول من جميع الناس برأسه ومنكبه، ويمد القائم يده فيصل بها رأسه لما سألوا نبيهم ملكا يقاتلون به، سأل الله أن يبعث لهم ملكا فبعث الله عز وجل مع ملك من الملائكة عصا وقرناً فيه دهن القدس، وقال له إن صاحبكم الذى يكون ملكاً يكون طوله طول هذه العصى، وانظر إلى القرن الذى فيه الدهن، فإذا دخل عليك رجل فنشى الدهن فى القرن، أى غلى هو ملك بنى إسرائيل نادهن رأسه بالدهن وملكه عليهم، وكان طالوت راغباً، وقيل دباغاً يدبغ الأدم وهو قول وهب بن منبه، وقال عكرمة والسدى، سقاء يسقى الناس بأجرة على حمار من النيل، ويسقى الماء ويبيعه، ولعله قد فعل ذلك كله، قال وهب بن منبه، ضلت حمر لأبى طالوت وقيل إبل فأرسله أبوه ومعه غلام فى طلبها، فمر على بيت أشموئيل النبى، فقال الغلام لطالوت: لو دخلنا على هذا النبى فسألناه عن أمر الحمر ليرشدنا أو ليدعو لنا، ودخلا عليه، فبينما عنده يذكر له حاجتهما، إذ نشى الدهن فى القرن أعنى أنه غلى فقام أشموئيل النبى فقاس طالوت بالعصا فكانت على طوله، فقال لطالوت: قرب رأسك فقربه إليه فدهنه بدهن القدس، وقال له: أنت ملك بنى إسرائيل الذى أمرنى الله أن أملكه عليهم، فقال طالوت: أو ما علمت أن سبطى من أدنى أسباط بنى إسرائيل؟ قال: بلى. قال: فبأى آية؟ قال: بآية أنك ترجع، وقد وجد أبوك حمره، فكان كذلك، ثم قال لبنى إسرائيل: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا، وقيل جلس عنه، وقال أيها الناس: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا، فأتت عظماء بنى إسرائيل إلى هذا النبى أشموئيل وقالوا له: ما شأن طالوت يملك علينا وليس هو من بيت النبوة، ولا الملك، وقد عرفت أن النبوة فى سبط لاوى بن يعقوب، والملك فى سبط يهوذا بن يعقوب كما قال الله تعالى:
{ قالُوا أنَّى يكُونُ لهُ الملْكُ عَلَيْنا }: أى من أين يكون وكيف يكون.
{ ونحْنُ أحَقُّ بالملْكِ مِنْهُ }: وذلك أنه كان فى بنى إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط ملك، فسبط النبوة سبط لاوى بن يعقوب، ومنه كان موسى وهارون عليهما السلام، وسبط الملك سبط يهوذ ابن يعقوب، ومنه كان داود وسليمان وأشموئيل عليهما السلام، ولم يكن طالوت من أحدهما، وإنما كان من ابن يامين بن يعقوب أخى يوسف، وكانوا عملوا ذنباً عظيما ينكحون النساء على ظهر الطريق نهارا، فغضب الله تعالى عليهم، ونزع منهم الملك والنبوة، وكانوا يسمون سبط الإثم فلهذا السبب أنكروا أن يملك عليهم وزعموا أنهم أحق بالملك منه، وأكدوا ذلك بقولهم.
{ وَلَمْ يُؤْتَ سَعةٍ مِّنَ المالِ }: حتى إنه يَرعى، وأنه سقاء للناس والملك يحتاج للمال وشرف المنصب ليستعين بهما، والسعة: والوسع ومن المال متعلق بيؤت أو بمحذوف نعت لسعة، ومن للابتداء وإن جعلنا سعة مصدر بمعنى واسعا أو متوسعا به فالإعراب كذلك، وزاد بأن تكون منه فى ذلك للتبعيض أو للبيان.
{ قَالَ }: لهم نبيهم أشموئيل:
{ إنّ اللّهَ اصْطَفاهُ عليْكُم }: اختاره عليكم للملك، لأن الله أعلم بالمصالح منكم، وليس فقره وسقوط نسبه يمنعان تملكه، هذا ما قد تضمنه قوله: { إن الله اصطفاه عليكم } ولأن الشرط فى الملك وفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية ولأن جسامة البدن يتأيد بها الملك فيكون أعظم خطرا فى القلوب، وأقوى على مقاومة العدو ومكابدة الحروب، وقد جمع ذلك كما قال الله تعالى:
{ وَزَادَهُ بَسْطةً }: سعة وفضيلة.
{ فى العِلْمِ }: وكان أعلم بنى إسرائيل فى زمانه بالتوراة، وبأمور الحرب وغيرها عند الجمهور، وقيل المراد علم الحرب، وقيل أوحى إليه ونبئ.
{ والجِسْمِ }: كان أطولهم كما مَرَّ، وأعظمهم حجما وأجملهم، وعظم الجسم نعمة من الله، كما امتن الله تعالى به، فقالوا: (اذكروا آلاء الله) وقرأ الحسن، { وزاده بسطة فى العلم والجسم }، فقال فإذا الجسم نعمة من الله ولأن الله تعالى مالك الملك كله فله أن يؤتى الملك من يشاء كما قال تعالى:
{ وَالله يُؤْتى مُلْكَهُ }: أى بعض ملكه، فالإضافة بمعنى من التبعيضية أو أراد الجنس الصادق بالقليل والكثير، لا بكله والمعنى واحد.
{ مَنْ يَشَاءُ }: أن يؤتيه إياه لا معارض له، ولأنه واسع الفضل، يوسع على الفقير فيغنيه، ويرفع الحقير فيعزه، فيغنى طالوت ويعزه ويعلم اللائق بالملك من النسب وغيره كما قال الله تعالى:
{ وَاللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ }: أى واسع الرزق والفضل، وسع رزقه وفضله وعلمة كل مخلوق، ويجوز أن يكون واسع للنسب، أى ذا وسع والعليم الذى عظم علمه أو كثر، وعلم الله عظيم لا ينفد، وقيل العلم فى صفة من علم ما كان وما يكون، وذلك كله من كلام أشموئيل نبيهم، رد عليهم واحتج، وذلك قول الجمهور وهو أظهر، وقال بعضهم؛ قوله: { والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم }، هو من كلام الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبعدما قال لهم اشموئيل ذلك تيعنوا على، عادتهم، أو أرادوا زيادة يقين فقالوا ما آية أن الله بعث طالوت ملكاً؟ فأجابهم بما حكى الله عنه بقوله: { وقَالَ لَهُم نَبِيُّهم إنَّ آيةَ مُلْكِهِ أنْ يَأتِيكُم التَّابوتُ .. }