التفاسير

< >
عرض

ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٢٦٨
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ الشَّيْطانُ }: جنس الشياطين أو إبليس بنفسه وبوسائطه من الجن والإنس، وقيل جئس شياطين الإنس والجن، وقيل النفس الأمارة بالسوء لقوله تعالى: { وأحضرت الأنفس الشح } }. { يَعِدُكُم الفَقْر }: على الإنفاق والوعد فى الأصل، يقال فى الخير والشر، ثم شهر استعمال وعد، والوعد فى الخير، وأوعد والوعيد والإيعاد فى الشر فى الإطلاق، وإن قيد جاز وعد والوعد فيهما نحو: { وعدكم الله مغانم } وفى الشر هذه الآية، وقوله: { النار وعدها الله الذين كفروا } وقرئ الفقر بضم الفاء وإسكان القاف، والفقر بضمهما، والفقر بفتحها وذلك لغات، وأصلهن من كسر الفقار ويستعمل الإيعاد فى الخير أيضا لدليل كما قال عبد الله بن مسعود: لابن آدم لمتان كل صباح، لمة من الملك ولمة من الشيطان، فأمالمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، وتطييب النفس، وأمالمة الشيطان فإيعاد بالفقر وتكذيب بالحق، وقرأ { الشيطان يعدكم الفقر } الآية رواه الشيخ هود موقوفا، ورواه الترمذى مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا عن ابن مسعود رضى الله عنه. قال رسول الله صلى الله عليهِ وسلم: "إن للشيطان بابن آدم لمة وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الآخر فليستعذ بالله من الشيطان، ثم قرأ { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } الآية" . والممة النزول والقرب من الشئ،
{ ويأمُرُكمُ بالفَحْشاءِ }: والمعاصى، ومنها البخل، وقيل الفشحاء البخل والعرب تسمى البخيل فاحشا. قال الكلبى كل فحشاء فى القرآن الزنى إلا هذا الموضع فالبخل.
{ وَاللّهُ يَعِدُكمْ مَغْفِرةً }: لذنوبكم عظيمة على الإنفاق وتطييب النفقه، والتعظيم مأخوذ من التنكير ومن قوله:
{ منه }: لأن عظم المعطى يدل على عظم العطية وهو متعلق بيعد، أو بمحذوف نعت لمغفرة، ويحتمل أن المراد بالمغفرة ما فى قوله تعالى:
{ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } ويحتمل أن يجعل شفيعا للمؤمنين أوامرَ لا تدركه العقول فى الدنيا والأول أولى لتبادره.
{ وَفَضْلاً }: خلفا فى الآخرة أفضل مما أنفقتم فى الدنيا، أو خلفا فى الدنيا.
{ واللّهُ واسعٌ }: فَضله غنى قادر على الإثابة بلا حساب.
{ عَليمٌ }: بالمنفق ونيته فيجازيه، وفى التوراة عبدى أنفق من رزقى أبسط عليك فضلى.
فإن يدى مبسوطة على كل يد مبسوطة، ومصداقة من القرآن:
{ وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين } وعنه صلى الله عليه وسلم: "من أطعم أخاه حتى أشبعه وسقاه من الماء حتى رواه أبعده الله من النار سبع خنادق ما بين كل خندقين مسيرة مائة عام" رواه ابن عمر، وعنه صلى الله عليه وسلم: "أى ما مسلم كسا مسلما يوما على عراء كساه الله من خضر الجنة، وأى ما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه من ثمار الجنة، وأى ما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله عز وجل من الرحيق المختوم" رواه أبو سعيد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنفق لينفق عليك" ، رواه أبو هريرة، وعن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنفقى ولا تحصى فيحصى عليك، ولا توعى فيوعى عليك الله" ، أى ولا تجعلى مالك فى وعائك مانعة له عن الإنفاق، وعنه صلى الله عليه وسلم: "يد الله ملاء لا يغيضها نفقة الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع" ، أى قضى بالأرزاق فى الأزل قبل أن يخلق الماء، والخفض كناية عن تقليل الرزق، والرفع عن تكثيره، ليناسب الرفعة التكثير المرغوب فيه أو بالعكس، لأن الكثير يخفض الميزان، والمضارع للحال تصوير للمستقبل منزلة الحاضر لتحققه، وروى الحسن عن كعب بن عجزة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: "يا كعب الصلاة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفى الخطئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب الناس غاديان: فغاد فمشتر رقبته فمعتقها، وغاد فبائع رقبته فموبقها" .