التفاسير

< >
عرض

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٦٩
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ يُؤتِى الحِكْمةَ مَنْ يشاءُ }: وهى تحقيق العلم وإتقان العمل، وقيل هى أن يحكم عليك داعى الحق لا خاطر النفس، وأن تحكم عليكم قوانين الديان لا زواجر الشيطان، وقيل هى الإصابة فى القول والفعل، وقال ابن عباس: الحكمة علم القرآن ناسخهُ ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه. وقيل: القرآن والعلم والفقه، وقيل العلم النافع المؤدى إلى العمل. وقال السدى: النبوة لأن النبى يحكم بين الناس، وقيل: الورع، والعلماء ثلاثة: علماء بأحكام الله فقط وهم علماء الفتوى، وعلماء بالله فهم الحكماء، وعلماء بالقسمين وهم والكبراء، فالأول كالسراج يحرق نفسه ويضيئ للناس، الثانى أفضل لإشراق قلبه بمعرفة الله ونور جلاله إلا أنه كالكنز تحت التراب لا يصل إليه غيره، والثالث كالشمس تضئ العالم أو هى فى نفسها تامة. والحكمة المنع، ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها، وقدم المفعول الأول وهو الحكمة على طريق التقديم للاهتمام، ودل المفعول الأول هو من أوله قوله:
{ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكمّةَ }: إذا أناب ضمير من ونصب الحكمة، والأصل فى باب أعطى وكسى ألا ينوب الثانى، ودل عليهِ أيضاً أن من هو الفاعل معنى لأنه الأخذ، قرأ يعقوب والأعمش { يؤت } بكسر التاء وعلى هذا فالضمير عائد إلى الله والمفعول الأول محذوف، أى ومن يؤته الله، والفاعل الذى ناب عنه المفعول فى القراءة الأولى ضمير الله.
{ فَقَدْ أُوتِىَ خَيراً كَثِيراً }: نكر خير للتعظيم، وأفاد التكثير بقوله: { كثيرا } وهو تلك الحكمة، إذ توصله إلى خير عظيم كثير لا يفنى.
{ وَما يَذَّكَّرُ إلا أولُوا الألْبابِ }: أى إلا ذوا العقول المعتبرة، وهى الكسبية العاقلة عن الله أمره ونهيه، فتجانب الهوى والنفس والشيطان، والتذكر الاتعاظ بأمر الله ونهيه وآياته، أو التفكر، شبَّه التفكر بالتذكر لأنه يستخرج بفكره علما كأنه كان عالما له فنسيه إذ أودع الله فى قلبه العلم بالقوة.