التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
٢٧٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَمَا أنْفَقْتُم مِنْ نَفَقةٍ }: أكدَّ عموم النفقة بمن كأنهُ قال: نفقة قليلة أو كثيرة، جيدة أو ردية، حلال أو حرام، واجبة أو نافلة، أنفقتموها فى حلال أو حرام، جهراً أو سرا أو ذلك أن ما شرطية، والشرط يشبه النفى، لأنه تعليق لا إخبار بوقوع، فالوقوع غير محقق بحسب ظاهر الشرط، ومن بعد النفى تزيد العموم، فعلى كون من مؤكدة يكون نفقة بدلا من ماء، وما مفعول لأنفقتم، والمشهور أن من فى مثل ذلك للبيان، ومع ذلك تزيد العموم أيضا كأنهُ قيل بها أى شئ يسمى نفقة.
{ أوْ نَذَرْتُم مّنْ نَذْرٍ }: نذرراً منجزاً غير معلق بشئ مثل أنْ يقول لله عليه صوم شهر، و معلقا بشرط مثل أن يقول لله على كذا إن كان كذا أو إن لم يكن كذا، ويجب الوفاء فيهما بغير عصيان. وقيل: لا يجب الوفاء إن لم يعلق، ومن نذر بمعصية وجب أن يحنث نفسه، ولزمته الكفارة بحنثه، وقيل تركها كفارة، وللنذر تقسيم آخر مفسر وغير مفسر، فالمفسر أن يقول: لله علىّ عتق رقبة أو حج أو نحو ذلك، وغير المفسر أن يقول: نذرت لله ألا أفعل كذا أو أن أفعل كذا، أو لله علىّ نذر. وعنه صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ نذر نذراً فسمى فعليه ما سمى، وممن نذر نذراً ولم يسم فعليه كفارة يمين" ، وعنه صلى الله عليه وسلم: "من نذر نذرا لم يسمه فكفارتهُ كفارة يمين، ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته تركه، ومن نذر نذراً فأطاقهُ فليف به" : وفى رواية: "ومن نذر نذارا فى معصية فكفارته كفارة يمين" وعنه صلى الله عليهِ وسلم: "لا نذر فى معصية ولا فى ما لا يملك ابن آدم" ، وذلك شامل لنوعين أن يعد فعل المعصية أو يعد فعل غيرها إن كان كذا وكذا من المعصية، وعن عائشة رضى الله عنها: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصيه" وعنه صلى الله عليه وسلم: "النذر لا يقرب من ابن آدم شيئاً لم يكن الله قدره لهُ، ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل شيئاً لم يرد البخيل أن يخرج" رواه أبو هريرة، وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن النذر وقال: "إنه لا يأتى بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" وإنما نهى لأنه يأتى بالعبادة المنذر ربها تكلفا لا نشاطا أو معاوضة، ولا إخلاص فى ذلك، وقيل: لأن الجاهل يظن به أنهُ يرد القدر كما يناسب ذلك قولهُ: { لا يأتى بخير } والآية تدل على مدح النذر إذا أو فى به خالصه من طيب، وكذا مدحه بقوله: { يوفون بالنذر }، فكيف ينهى عنه؟ الجواب: أن المنهى عنهُ ما فيهِ ظنٍ رد القدر أو الممدوح الوعد بالطاعة بلا تعليق.
{ فإنَّ اللّهَ يَعْلمهُ }: فيجازى به خيراً إن كان فى طاعة وشرَّا إن كان فى معصية، فالآية وعد وتوكيد على الصدقة، التى على وجهها، ووعيد على المعصية فيها بإنفاق أو نذر فى معصية أو بمعصية، أو برياء أو منّ أو أذى، وإنما أفرد الضمير مع ذكر الإنفاق والنذر معا لأنه عائد إلى ما الصادقة على المنفق بفتح الفاء، والمنذور به على سبيل البدلية لا الشمول، كما يدل له لفظ أو، والحاصل أنه لم يذكر من اسماء التى يعود إليها الضمير من الجواب إلا واحدا وهو ما ولم يعطف على ما شئ حتى لو كان العطف بالواو هنا لصح الإفراد أيضا، إذ ليس العطف على ما فتبين لك ضعف ما يقال: إن الإفراد للعطف بأو، لأن محل الإفراد مع أو هو أن يتعدد ما يرجع إليه الضمير، مثل زيد أو عمرو قائم، ولم يتعدد هنا إذا لم يقل ما أنفقتم نفقة أو ما نذرتم من نذر حتى لو قيل يعلمهما برد الضمير لقوله: { نفقة } وقوله:{ نذر } لكان الضمير عائد إلى غير ما لكن إلى بيانها، وقيل الضمير لنذر ويقدر للنفقة، أى وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها أو يعلمهُ بعوده إلى ما، أو ما نذرتم من نذر فإن الله يعلمهُ.
{ وَما للظالمِينَ }: لأنفسهم أو لها ولغيرها فى إنفاقهم بالمنّ والأذى، أو بالرئاء أو فى المعاصى، أو بإنفاق الحرام، أو بصرف الصدقة الواجبة عن مستحقها، أو بمنع الإنفاق الواجب، وعدم الوفاء بالنذر.
{ مِنْ أنْصارٍ }: يمنعونهم من عقاب الله، جميع نصير كشريف وأشراف وحبيب وأحباب.