التفاسير

< >
عرض

لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
٢٧٢
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ لَيْسَ عَليْكَ هُدَاهُم }: أى توفيقهم إلى الإيمان، بل عليك بيان الطريق لهم والحث على أداءِ الفرض، وعلى المحاسن والزجر عن المعاصى والقبائح كالمن والأذى وإخفاء الخبيث، ووجه اتصال الآية بما قبلها أنه تعالى ندب أولا على الإنفاق وإخفائه وبين بهذه الآية جواز الإنفاق على المشركين، فعن بعض: حجت أسماء بنت أبى بكر فجاءتها أمها تسألها وهى مشركة فأبت أن تعطيها، فنزلت الآية. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء ومعه أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما فجاءتها أمها قبيلة وجدتها تسألانها شيئا، فقالت: لا أعطيكما شيئاً حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكما لستما على دينى، فاستأمرته فى ذلك فنزلت هذه الآية فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتصدق عليهما، وروى سعيد ابن جبير أيضا: أنهُ كان لنا ثلاثة من الأنصار قرابة من قريظة والنظير وأصهار ورضاع، ينفقون عليهم قبل الإسلام، وكانوا لا يتصدقون عليهم، ويقولون: لا نعطيكم شيثاً ما لم تسلموا، فنزلت هذه الآية: وروى أيضاً: أنهُ لما كثر فقراء المسلمين نهى عن التصدق على المشركين لتحملهم الحاجة على الدخول فى الإسلام فنزلت، وروى: أن رجلا قال: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا فنزلت الآية.
{ ولَكنَّ اللّهَ يَهْدِى }: يوفق إلى الإيمان.
{ مَنْ يَشاء }: هدايته إليه.
{ وَمَا تُنْفقُوا منْ خَيْرٍ }: أى مال كقوله تعالى:
{ إن ترك خيراً } أو من نفقة معروفة، ومعنى قول عكرمة كل خير فى كتاب الله المال إنه المال إذا قرن بالإنفاق ونحوه مما يناسب المال.
{ فَلأنفُسكمُ }: أى فثوابه لأنفسكم، فإذا مَننتم وآذيتم أو راءيتم فقد أبطلتموه عن أنفسكم، وأذنبتم، وإذا أنفقتم الخبيث فقد نقصتم عن أنفسكم وأقللتم: وإن كان حراما أذنبتم.
{ وَمَا تُنْفقُونَ إلا ابتِغاءَ وَجَهْ اللّهِ }: هذا إخبار لفظا ومعنى، والحملة حال من ضمير الاستقرار المستتر فى: { لأنفسكم }، أعنى الضمير المستتر فى نحو ثابت، لما حذف ثابت انتقل منه إلى الجار والمجرور، وهو عائد إلى ما من قوله: { وما تنفقوا } كأنه قيل وما تنفقوا من خير فلأنفسكم حال كونه لم تنفقوه إلا ابتغاء وجه الله، أو حال من واو تنفقوا، أى وما تنفقوا من خير حال كونكم غير منفقين له فى غير ابتغاء وجه الله، ويجوز كون الجملة معطوفة على الشرط والجواب والأداة على أن التقدير وما تنفقون نفقة يعتد بها ويرجو قبولها لا ابتغاء وجه الله، أو على أن المخاطب جماعة هم الصحابة وهم على هذه الصفة، وأنفقو فى معصية أو برياء أو نحوه، أو لغرض دنيوى فلا يثبت فيه الثواب، ويجوز كون الجملة إخبار لفظا نهيا معنى، أى لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، فتكون مستأنفة، ومعنى ابتغاء وجه الله طلب ثواب وجه الله، وهو الله كما تقول وجه زيد تريد ذاته ونفسه، وممن قال بأن اللفظ والمعنى خبر: الزجاج وغيره إذا قال هو: هذا خاص بالمؤمنين أعلمهم الله أنه قد علم مرادهم بنفقتهم ما عنده، وقال غيره: معناه لستم فى صدقتكم على أقاربكم والمشركين تقصدون إلا وجه الله، وقد علم الله هذا من قلوبكم، فأنفقوا عليهم إذا كنتم تبتغون بذلك وجه الله فى صلة الرحم، وسدّ خلة المضطر. قال بعض العلماء: لو أنفقت على شر خلق الله لكان لذلك ثواب، وأما زكاة المال وزكاة الفطر والكفارة بأنواعها كدينار الفراش والفدية والجزاء فلا تعطى للمشرك، وعن عطاء عنه صلى الله عليه وسلم:
"لا تعطوا المشركين من نسككم شيئا" ، وقال بعض أصحابنا بجواز المرسلة للمسكين الذمى، وبعض فيمن اضطر ولم يجد أهل التوحيد، وخاف الموت ولم يجد سبيلا أن يعطيها أهل الذمة، ويقدم الأقرب إلى الإسلام، وأجاز أبو حنيفة زكاة الفطر لأهل الذمة، وزعم المهدوى أن هذه الآية أباحت زكاة المال لأهل الذمة وهو باطل مجمع على خلافه، وجمهورنا أن الزكاة تختص بالمتولى ووافقهم أبو بكر بن العربى فى أحكام القرآن فى أنها لا تعطى موحداً يترك أركان الإسلام من الصلاة والصوم والحج والزكاة، أجازها لغيره من العصاة.
{ وما تُنْفقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوفَّ إليْكُمْ }: على حذف مضاف، أى يوف ثوابه إليكم، وذلك فى الآخرة أضعافا مضاعفة، فهو تأكيد لقوله: { وما تنفقوا من خير فلأنفسكم }، قال ابن عباس: يجازيكم يوم القيامة واستدل له بعض بقوله: إليكم، وفيه أن الانتهاء أيضا صحيح فى الدنيا، بل الدليل توفيه من غير ان يتعين، ويجوز أن يكون هذا فى الدنيا كقوله صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا" ، ويناسب الأول قوله:
{ وأنْتُم لا تُظْلمُونَ }: أى لا ينقص من ثواب صدقتكم شئ فإنه لا يتبادر أن يكون المعنى يخلف لكم فى الدنيا ما أنفقتم كله، ولا يبقى منه شئ اللهم إلا أن يراد: وما تنفقوا من خير يوف إليكم فى الدنيا من غير أن ينقص لكم من ثوابه فى الآخرة شئ.