التفاسير

< >
عرض

وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٦٠
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ }: أى طلب السقيا لهم لما عطشوا وسألوه من أين يشربون أو سألوه أن يدعو لهم بالسقى.
{ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ }: هى من آس الجنة بهمزة فألف فسين مهملة، وهو شجر يسمى المرسين وعن ابن عباس: هى من العوسج من الجنة، ويطلق الآس على الشجر مطلقاً، ولتلك العصى شعبان يتقدان فى الظلمة نوراً وكانت على طول موسى عشرة أذرع، واسمها عليق، وقيل بنعة حملها آدم معه من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى قبل، وكانت تحمل على حمار إذا لم يحملها موسى فإن حملها فهى خفيفة عليه. وقال الحسن: هى عصى قطعها من شجرة ويجب إدغام (باء اضرب فى باء بعصاك) ولو كانت من كلمتين بسكون الأول، إلا أن وقف على الأول أو وصل بنية الوقف، ولا يدغم نافع من ذلك إلا ما كان ساكناً بخلاف أبى عمرو فإنهُ لم يدغم من المثلين فى كلمة إلا فى موضعين { مناسككم } فى هذه السورة و{ سلككم } فى المدثر، وأظهر ما عداهما: كجباههم، ووجوههم، وبشرككم وأتجادلوننا وأتعداننى، وأما المثلان من الكلمتين فإنه يدغم أولهما سواء كان.......... [هنا سقطت صفحتان من الأصل]. ثوبه ليغتسل وذلك أن بنى إسرائيل آذوه بقولهم إن بيضتيه منتفختان فأراد غسلا فوضع ثوبه على حجر ففجر الحجر بالثوب فتبعه يقول: ثوبى حجر أى دع ثوبى يا حجر فرآه سالماً مما قالوه فأشار إليه جبريل بحَمْله، وقال إن الله يأمرك أن ترفع هذا الحجر له فيه قدرة، ولك فيه معجزة، فوضعه فى مخلاة فلما سألوه السقيا قيل { اضرب بعصاك الحجر } فكان يضربه كلما نزلوا فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً لكل سبط عين، وإذا أراد الارتحال تيبس، وقيل كما مر يضربه فيتيبس، وقيل هو حجر حمله من جبل الطور مربع، تنبع من كل وجه ثلاث أعين تسيل كل عين فى جدول إلى سبط، وكانوا ستمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلا، وقيل هو حجر أهبطه آدم من الجنة فتوارثه الأنبياء حتى وقع إلى شعيب فأعطاه له مع العصى، وقيل إنه حجر من رخام وقيل من الكذان وهى الحجارة اللينة، قال ابن عباس: كان حجراً خفيفاً مربعاً قدر رأس الرجل، وقيل طوله ذراع وعرضه ذراع، وروى أنه من جبل الطور على قدر رأس الشاة يلقى فى كسر جولق ويرحل به، وذكر أنهم لم يكونوا يحملون الحجر لكنهم كانوا يجدونه فى كل مرحلة فى منزلته من المرحلة الأولى وهذا أعظم آية لهم.
{ فَانْفَجَرَتْ }: أى فضربه بها فانفجرت، أى نبعت أو سالت، والجملة عطفت على محذوف، ويجوز أن يكون جواب شرط محذوف، أى فإن ضربته انفجرت، فالفاء الداخلة على انفجرت هى التى فى قولنا فإن ضربته، أو هى الرابطة وجدت فى الجواب، ولو صلح شرطاً لتدل على الشرط المحذوف، وقيل التقدير: فإن ضربته فقد انفجرت، وبالأول قال ابن هشام وهو المشهور. والثالث ضعيف وفيه مبالغة فى وجود الانفجار، أى إن حصل الضرب فلا بد من أنه قد حصل الانفجار، ومثل هذا الكلام مما يقال بعد الحصول وقبله، وهكذا ظهر لى فى توجيه هذا الوجه. وقال ابن هشام أى فضرب فانفجرت. وزعم ابن عصفور أن الفاء فى انفجرت هى فاء فضرب، وإن فاء فانفجرت حذفت ليكون على المحذوف دليل ببقاء بعضه وليس بشىء، لأن لفظ الفاءين واحد فكيف يحصل الدليل، وجوز الزمخشرى ومن تبعه أن تكون فاء الجواب أى فإن ضربت فقد انفجرت، ويرده أن ذلك يقتضى تقديم الانفجار على الضرب، مثل
{ { إِنْ يَسْرِقْ فقد سَرَقَ أخٌ له من قَبْل } إلا إن قيل فقد حكمنا بترتيب الانفجار على ضرب.. انتهى.
{ اثْنَتَا عَشرَةَ }: بسكون الشين وقرئ بكسرها وبفتحها وذلك ثلاث لغات فى عشرة بالتاء ركب أو أفرد.
{ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ }: أى عرف كل قوم موضع شربهم من تلك العيون ولكون علم بمعنى عرف تعدى لواحد، وإنما كان بمعنى عرف لأن المعنى معرفة نفس المشرب والمشرب اسم مكان وهو العين، أى عرف كل سبط عينهم التى يشربون منها لا يشاركهم فيها غيرهم، والسبط فى بنى إسرائيل كالقبيلة فى العرب وأناس اسم جمع لا واحد له من لفظه، بل من معناه كرجل وامرأة.
{ كُلُوا }: مفعول لقول محذوف معطوف على القول الأول وهو قوله: { فقلنا اضرب } أى وقلنا كلوا.
{ وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ }: مما رزقكم الله من المن والسلوى وماء العيون، وقيل أراد بالرزق ماء العيون، لأن الماء يشرب وما ينبت منه يؤكل من الزرع والثمار، ويرده أن مأكولهم فى التيه المن والسلوى فقط. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم والترمذى والنسائى.
{ وَلاَ تَعْثَواْ }: لا تفسدوا.
{ فِى الأَرْضِ }: أرض التيه وغيرها إذا خرجتم منها.
{ مُفْسِدِينَ }: حال مؤكدة لعاملها كما قال ابن مالك وابن هشام وغيرهما فإن العثو والإفساد بمعنى واحد وهما هنا المعصية، والماضى عثى بكسر الثاء مثل رضى وياؤه عن واو، وقيل العثى أشد الفساد، فالإفساد أعم منه والحال مؤكدة، لأن معنى العام موجود فى الخاص مع زيادة فى الخاص، والعيث كالعثى لكنه غالب فى المخسأة، وقد يجعل مفسدين حالا باعتبار أن العثى قد يكون فى الفساد، ولو كان الغالب كونه فيه فيقال قيده بالإفساد احترازاً من العثى الذى هو غير فساد كمقابلة الظالم المعتدى بفعله، وكما يتضمن صلاحاً راجحاً كقتل الخضر الغلام وخرقه السفينة، فإن ذلك غير منهى عنه فى الجملة، وفى الحجر معجزة عظيمة إذا كان ينفجر منه الماء الكثير وهو صغير، ولكن انفجار الماء من بين أصابع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أعظم، لأن انفجار الماء من اللحم والدم غير معتاد ولا سيما أنه انفجر من بين أصابعه، وروى منه الجم الغفير، ومن أنكر مثل هذه المعجزات فلغاية جهلة بالله تعالى وقلة تدبره فى عجائب صنعه، فهذا حجر المغنطيس مشاهد يجذب الحديد فما دعاء أن يستحيل أن يخلق الله حجراً يسخره يجذب الماء من تحت الأرض، أو لجذب الهواء من الجوانب ويصيره ماء بقوة البرد، وكذا فى الأصابع وذلك مجازات مع ذلك الجاهل، وإلا فالله سبحانه وتعالى خلق الماء فى الحجر وبين الأصابع بلا جذب من الأرض ولا يجذب الهواء وتصيره ماء وهو أعظم فى الحجة، قال فى المواهب، وأما نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم هو أشرف المياه فقال القرطبى قصة نبع الماء من بين أصابعه قد تكررت منه صلى الله عليه وسلم فى عدة مواطن فى مشاهد عظيمة، ووردت من طريق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعى المستفاد من التواتر المعنوى، ولم نسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم. حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه، وقد نقل ابن عبد البر عن المزنى أنه قال: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغ فى المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصى فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم، وقد روى حديث نبع الماء جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود، فأما حديث أنس ففى الصحيحين قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده فى ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم" ، وفى لفظ للبخارى كانوا ثمانين رجلا، وفى لفظ له "فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم، قال فقلنا لأنس كم كنتم؟ قال: كنا ثلاثمائة" ، وقوله حتى توضئوا من عند آخرهم. قال الكرمانى: حتى للتدريج ومن للبيان، أى توضأ الناس حتى توضأ الذين هم عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم، وعند بمعنى فى لأن عند ولو كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضى أن تكون لمطلق الظرفية فكأنه قال: الذين هم فى آخرهم، وقال التيمى: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الأخير، وقال النووى: من هنا بمعنى إلى وهى لغة وتعقبه الكرمانى بأنها شاذة، وبأن إلى لا تدخل على عند، وبأنه يلزم عليه وعلى ما قال التيمى ألا يدخل الأخير، لكن لا يمنع من دخول من بمعنى إلى على عند ألا تدخل عليها ويجوز أن يقال على توجيه النووى عند زائدة قاله فى فتح البارى، وروى هذا الحديث عن أنس بن شاهين ولفظه قال: "كنت مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فقال المسلمون: يا رسول الله عطشت دوابنا وإبلنا، فقال: هل من فضلة ماء فجاء رجل من شن بشئ فقال: هاتوا صحفة فصب الماء ثم وضع راحته فى الماء قال: فرأيتها تتخلل عيوناً بين أصابعه، قال فسقينا إبلنا ودوابنا وتزودنا، فقال: اكتفيتم؟. فقالوا: نعم اكتفينا يا رسول الله فرفع يده فارتفع الماء" . وأخرج البيهقى عن أنس أيضاً قال: "خرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى قبا. فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير فأدخل يده فلم يسعه القدح، فأدخل أصابعه الأربعة ولم يستطع أن يدخل إبهامه، ثم قال للقوم: هلموا إلى الشراب قال أنس: بصر عينى ينبع الماء من بين أصابعه، فلم يزل القوم يردون القدح حتى رووا منه جميعاً" ، وأما حديث جابر ففى الصحيحين قال: "عطش الناس يوم الحديبية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها، وجهش الناس نحوه فقال: ما لكم فقالوا: يا رسول الله ليس عندنا ماء نتوضأ به ولا ماء نشربه إلا ما بين يديك، فجعل يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: ولو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة" ، وقوله يفور أى يغلى ويظهر متدفقاً، وفى رواية الوليد بن عبادة بن الصامت عنه فى حديث مسلم الطويل فى ذكر غزوة بواط قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا جابر نادى الوضوء" وذكر الحديث يطوله، "وأنه لم يجد إلا قطرة فى عزلاء شجب فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فغمره وتكلم بشئ لا أدرى ما هو، فقال: ناد بحفنة الركب فأتيت بها ووضعتها بين يديه، وذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم بسط يده فى الجفنة وفرق أصابعهُ، ثم فارت الجفنة واستدارت حتى امتلأت، وأمر الناس بالاستقاء فاستقو حتى رووا، فقلت هل بقى من أحد له حاجة؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهى ملآن والجهش ميل الإنسان إلى الآخر فى صورة الباكى، والغرلاء الجلدة التى تكون فى فم القربة، والشجب أعواد تعلق فيها" ، وروى حديث جابر أحد بن حنبل فى مسنده بلفظ: "اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه العطش فدعا بعض فصب فيه شيئاً من الماء، ووضوع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده فقال: استقوا فاستقى الناس فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابعه" ، وفى لفظ له من حديثه أيضاً قال: " فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه فى الإناء، ثم قال: بسم الله ثم قال: أسبغوا الوضوء قال جابر: فو الذى ابتلانى ببصرى لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فما رفعها حتى توضئوا أجمعين" ورواه أيضاً البيهقى فى الدلائل قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فأصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوضع يده فى تور من ماء بين يديه قال فجعل الماء ينبع من بين أصابعه كأنه العيون قال: خذوا باسم الله فشربنا فوسعنا وكفانا ولو كنا مائة ألف. قلت لجابر: كم كنتم؟ قال: ألفاً وخمسمائة" ، وأخرجه ابن شاهين من حديث جابر أيضاً، وقال أصابنا عطش بالحديبية فجهشنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث. وأخرجه أيضاً عن جابر أحمد من طريق نبيج العثرى عنه وفيه: "فجاءَ رجل بإداوة فيها شئ من ماء ليس فى القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه فى قدح ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، قال: فتزاحم الناس على القدح فقال: على رسلكم فوضع كفه فى القدح ثم قال: أسبغوا الوضوء قال: فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه" ، وأما حديث ابن مسعود ففى الصحيح من رواية علقمة: "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اطلبوا من معه فضل ماء فأتى بماء فصبه فى إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم" . وظاهر هذا أن الماء كان ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائى وهى فى نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر، وكفه صلى الله عليه وسلم فى الإناء فيراه الرائى نابعاً من بين أصابعه، وظاهر كلام القرطبى أنه نبع من نفس اللحم الكائن فى الأصبع وبه صرح النووى فى شرح مسلم ويؤيده قول جابر، فرأيت الماءَ يخرج من بين أصابعه.
وفى رواية: فرأيت الماءَ ينبع من بين أصابعه وهذا هو الصحيح، وكلاهما معجزة له صلى الله عليه وسلم.
وإنما فعل ذلك ولم يخرجه من غير ملابسة ماء ولا وضع إناء تأدباً مع الله تعالى، إذا هو المنفرد بابتداع المعدومات وإيجادها من غير أصل، وقد انفرق القمر لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما انفرق البحر لموسى، فموسى تصرف عليه السلام فى عالم الأرض، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تصرف فى عالم السماء، والفرق بينهما واضح. قال ابن المنير جد الدمامينى شارح المغنى عن أبى حبيب: إن بين السماء والأرض بحراً يسمى المكفوف يكون بحر الأرض بالنسبة إليه كالقطرة من البحر المحيط فيكون قد انفرق لنبينا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فجاوزه وهو أعظم من البحر الذى انفرق لموسى عليه السلام، وقد حن إليه الجذع صلى الله عليه وسلم كما كانت العصى لموسى حية، وقد روى أن أبا جهل أراد أن يرميه بالحجر فرأى على كتفه ـ عليه السلام ـ ثعبانين فانصرف مرعوباً، وأعطى أنه كان نوراً مبيناً واضحاً لا يشك فيه منتقلا فى الأصلاب من لدن آدم ـ عليه السلام ـ إلى أبيه يتبين فى وجوههم كاليد البيضاء لموسى، وصلى معه العشاء قتادة ابن النعمان فى ليلة مظلمة مطيرة عرجوناً وقال:
"انطلق به فإنه سيضئ لك من بين يديك عشراً، ومن خلفك عشراً، وإذا دخلت بيتك فسترى سواداً فاضربه حتى يخرج" فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد وضربه حتى خرج. رواه أبو نعيم. وأخرجه البيهقى وصححه الحاكم عن أنس قال عباد بن بشر وأسيد بن حضير قال: "كانا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى حاجة حتى ذهب من الليل ساعة وهى ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد كل واحد منهما عصا، فأضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا فى ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد فى ضوء عصاه حتى بلغ هديه" . ورواه البخارى بنحوه فى الصحيح، وأخرج فى تاريخه والبيهقى وأبو نعيم عن حمزة الأسلمى قال: "كنا مع النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى سفر فتفرقنا فى ليلة ظلماء فأضاءت أصابعى حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعى لتنير لظهر الإبل وما يركب. وأرسل رجلا إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، وجعل بإذن الله فى وجهه نوراً يكون معجزة له صلى الله عليه وسلم فقال أخاف أن يقولوا. مثله فيتحول بإذن الله إلى عصاه" وذلك أيضاً كعصا موسى فإنه كان يستصبح بها إذا أراد، وكانت مناجاة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربه سبحانه وتعالى فوق السماء السابعة، ولا بأس بالقول بأن إسراءه فى تلك الليلة بجسده، وإنما المحرم ادعاء رؤية البارى سبحانه وما يؤديه إلى تشبيه، ومناجاة موسى على جبل الطور. والفرق واضح، والله در القائل:

وكل معجزة للرسل قد ســـــلفت وافـــــــى بأعجب منها عند إظهار
فمالعصا حية تسعى بأعجب من شكوى البعير ولا من مشى أشجار
ولا انفجار معين الماء من حجر أشـــــــد من سلسل من كفه جارى