التفاسير

< >
عرض

أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٧٥
-البقرة

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أَفَتَطْمَعُونَ }: أيها المؤمنون، فالخطاب للمؤمنين، وقيل لهم وللنبى صلى الله عليه وسلم، وقيل للنى، صلى الله عليه وسلم، خوطب بخطاب الجماعة تعظيماً له، صلى الله عليه وسلم، ووجه الأول أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذى كان بينهم، وكانوا يدعونهم إلى الإسلام. والاستفهام إنكار، لأن يقع طمعهم موقعاً صحيحاً، أى طمعتم فى غير مطمع أو إنكار على طريق النهى، أى لا تطمعوا.
{ أَنْ يُؤْمِنُوا }: أى فى أن يؤمنوا.
{ لَكُمْ }: أى يصدقكم اليهود، وإنما عداه باللام لتضمنه معنى الخضوع أو الإذعان أو الإقرار، أو اللام للتعليل، أى أن يؤمنوا لأجلكم أى لأجل دعائكم إياهم إلى الإيمان.
{ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ }: طائفة.
{ مِنْهُمْ }: من سلفهم.
{ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ }: قال ابن عباس وابن اسحاق: هم السبعون الذين اختار موسى، قيل إنهم سمعوا كلام الله كموسى، ولما رجعوا قالوا: سمعنا الله. يقول فى آخر كلامه: إن استطعتم أن تفعلوا بهذه الأشياء، فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، وقيل قالت ذلك طائفة من السبعين لا كلهم، فالباقون أدوا كما سمعوا فتحريفهم هو هذا الكذب، ويحتمل أن يكون الله عز وجل قد قال ذلك تهديداً كقوله: { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر }، وتحريفهم إيهام الناس أن ذلك إباحة لهم مع أنهم قد علموا أن ذلك تهديد لدليل نصبه لهم الله سبحانه، وتقدم الرد على من قال إنهم سمعوا كلام الله كما سمعهُ موسى، بأن ذلك يبطل خصوصية موسى بالكلام، وأقول لا يبطله لأن الخطاب إنما هو لموسى لا هم معه، ولو كان بصيغة خطابهم، وإنما خاطبه بما يفعل وما يفعلون، وما يترك وما يتركون، ووجه الكلام إليه وهم يسمعون بإذن الله تعالى، والهاء فى منهم عائدة إلى اليهود مطلق، وقيل: المراد بالهاء فى منهم عائدة إلى اليهود الذين فى زمانه صلى الله عليه وسلم، والمراد بالفريق علماؤهم الذين سمعوا التوراة ممن أقرأهم إياها أو سمعوها مما كتبت، فهى عن الله، فإن من قرأ كتاباً من كتب الله واكتسبه من الأوراق، فقد سمع كلام الله وعلى هذا فتحريفهم تبديلهم صفة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى التوراة وآية الرجم وجدوه صلى الله عليه وسلم: أكحل أعين ربعة أجعد الشعر حسن الوجه. فكتبوا بدل ذلك طويلا أزرق سبط الشعر، وبدلوا الرجم للمحصن بالجلد والتحميم، وهو تسويد الوجه، وكتبوا ذلك وهكذا كتبوا ما يحبون بدل ما لا يحبون، لأنهم استحفظوه فلم يحفظ، وأما القرآن فحفظه الله ـ جل وعلا ـ ولم يكله لغيره، فلم تكن لأحد طاقة على تبديله. أو المراد بتحريفه تحريفه عن معناه، بأن فسروه بما يشتهون، وبهذا الوجه قال ابن عباس وعن الحسن تحريفها: إخفاؤهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله جل وعلا:
{ { تجعلونها قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً } ، وقد يترجح كون المراد بالفريق علمائهم الذين على عهده صلى الله عليه وسلم، بأنه أنسب للمضمر فى قوله: { أن يؤمنوا } وطعن بعضهم فى الرواية المذكورة عن ابن عباس أنهم السبعون الذين اختارهم موسى عليه السلام، بأن راويها الكلبى وهذا كذاب، وعلى كل وجه من الأوجه المذكورة، تكون الآية ملوحة بأن لليهود سلف سوء، فهم على سنن سلفهم وباستبعاد إيمانهم، إذ لم يؤمنوا بموسى الذى كان منهم، وكان نجاتهم من القبط والبحر على يده، فكيف يؤمنون لكم؟ وتحريف الشئ إمالته عن حاله. وقرئ (يسمعون كلم الله) بكسر اللام. أى كلماته.
{ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ }: أى من بعد عهم إياه أى من بعد فهمهم إياه بعقولهم، ولم يبق لهم فيه شك. وما مصدرية.
{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }: أنهم كاذبون مبطلون.