التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً
١١٣
فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً
١١٤
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَكَذَلِكَ } متعلق بأنزلناه أو نعت لمصدر محذوف، أو الكاف اسم مضاف لذلك نعت لمصدر محذوف، وكذا فى مثله مما تقدم أو يأتى، أى إنزالا ثابتا كذلك الإنزال، أو مثل إنزال هذه الآيات المتضمنة للوعيد، أو إنزالا مثل ذلك وقد تبيَّن لك أن المعطوف الجملة بعده فقط، أو مع كذلك، لا كذلك وحده، كما يوهمه كلام القاضى والمعطوف عليه جملة يعمل ولكن مراد القاضى ما ذكرت والله أعلم.
{ أَنْزَلْنَاهُ } أى القرآن، دل عليه لفظ الإنزال ودل عليه أيضا قوله: { قُرْآنًا عَرَبِيًّا } إذ لو كان الضمير لغير القرأن لم يقل قرآنا عربيا؛ لأن غير القرآن لا يصح فيه أن يقال: أنزلناه قرآنا.
وإن قلت: إذا كان الضمير للقرآن فما فائدة قوله قرآنا؟
قلت: الفائدة فى وصفه بعربيا، بوصفه به صح كونه حالا مع أنه جامد ويحتمل التأويل بمقروء.
وإن قلت: فهلا قيل: أنزلناه عربيا؟
قلت: صرح بقرآن ليدل على مرجع الضمير، فيكون فيه فائدة الإبهام، فالتفسير. وفى التصريح به أيضا بلاغة ليست فى عدم ذكره.
والمراد أنزلناه قرآنا بلسان العرب ليفهموه وجعلناه على طريقة ذكر الوعيد وتكريره ليرتدع عن المعاصى كما قال: { وَصَرَّفْنَا فِيهِ } كررنا وفصَّلنا من يعمل كذا فله أو عليه كذا.
{ مِنَ الْوَعِيدِ } شيئا منه.
{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الشرك وما يوجب سخطنا. والترجِّى مصروف إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومَن معه؛ فإن فى نزول الآيات ما يطمعون به، فى إيمان المشرك، وارتداع المنافق.
{ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا } أى يحدث القرآن لهم عظة بمن تقدم بتعظون بها، أو تذكرا واعتبارا، فيثبطهم عن الشرك و المعاصى، فيتدرجون منها إلى الإيمان والتقوى.
وأما لعلهم يتقون فالمراد رسوخ التقوى حتى تكون مَلَكة ولذلك لم يكتف بأحد الكلامين عن الآخر.
وقالت فرقة: معنى إحداث الذكر إحداث الشرف والثناء عليهم بالإيمان به، والذكر يمنع عن المعاصى فتكون التقوى مَلَكة. ولما ذكرت أسند التقوى إليهم والإحداث للقرآن. والذكر يطلق أيضا على الطاعة والعبادة.
وقرئ تحدث بالتاء خطايا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقرئ بالنون. وقرئ بالياء وإسكان التاء تخفيفا كما قرئ وما يشعركم بإسكان الراء. { فَتَعَالَى اللهُ } عظم شأنه ذاتا وصفة وفعلا وقولا عما يقول المشركون من التشبيه أو الإنكار ولا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ فى ملكه.
{ الْمَلِكُ } النافذ أمره ونهيه الحقيق بأن يُرجى وعده ويُخشى وعيده.
{ الْحَقُّ } فى ملكوته مستحق الملك لذاته، أو الحق: الثابت فى ذاته وصفاته.
قيل: وصف نفسه بالملك الحق لأن ملكه لا يزول ولا يتغير وليس بمستفاد من قِبَل الغير، ولا غيره أهل له أو أولى به منه. وفى الآية تعظيم الحق من هو كذلك.
{ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } لا تعجل بقراءة القرآن إذا كان جبريل يلقنك إياه حتى يتم تلقينه. وكان يعجل مخافة النسيان وعجلته سبب نزول الآية وذلك استطراد بعد ذكر الإنزال فقد تبين لك أن القرآن يطلق على الكل وعلى بعضه ولكن لا يطلق على البعض إلا إن كان البعض له أو أكثر.
وقيل: ثلاثا أو أكثر وأما أقل فلا إلا مجازا.
وقيل: الوحى هنا بمعنى البيان وإنزال البيان أى لا تعجل بتبليغ القرآن ما كان مجملا من قبل ولا بقراءته حتى يأتيك بيانه.
ومعنى يُقضى يوصَل. وقرئ حتى نقضى إليك وحيه، بالنون ونصْب الوحى.
وزعم بعضهم أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
{ سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله
}. وروى أنها نزلت بسبب امرأة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم تشكو إليه زوجها أنه ضربها فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: القصاص فنزل: { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه }.
{ وَقُلْ رَبِّ } يا رب { زِدْنِى عِلْمًا } ونزل:
{ { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله } وكان بعد ذلك يتأتى ويقول: رب زدنى علما وكان ابن مسعود إذا قرأ ذلك قال: اللهم رب زدنى علما.
وعن بعضهم: المعنى سل ربك زيادة العلم بدل الاستعجال؛ فإن ما أوحى إليك تناله لا محالة.
وفى الآية تواضع بأَنه لا علم له إلا ما علّمه الله أو يعلِّمه الله وثناء وشكر بأن عندى علما لطيفا جاءنى منك بفضلك فزدنى علما إليه فإن لك فى كل شئ علما وحكمة وفى ذلك استجلاب جزيل وأدب جميل.
ويروى أن الله سبحانه وتعالى ما أمر رسوله بطلب الزيادة إلا فى العلم.
وقيل: المعنى: رب زدنى علما بالقرآن. فكلما نزل عليه شئ منه زاد به علما.