التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ
١٢٣
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ } الله: { اهْبِطَا } يا آدم وحواء { مِنْهَا } من الجنة { جَمِيعًا } حال { بَعْضُكُمْ } مبتدأ { لِبَعْضٍ } حال من عدو، أو لامة للتقوية راجعة لعدو، بعضكم معادٍ لبعض.
{ عَدُوٌّ } خبر، والجملة حال ثانية مقدرة، أو حال من ضمير جميعا مقدرة وإنما خاطبهما بصيغة خطاب الجماعة لأنهما أصل الذرية، بل كأنه قيل: اهبطا بما اشتملتما عليه من ذريتكما.
ويدل لذلك لفظ العداوة؛ فإنها واقعة بين أولاهما لا بينهما اللهم إلا الأمر اليسير مما لا بد أن يقع بين المتعاشرين، أو الخطاب بصيغة الجمع لها ولإبليس، أى اهبطا منها كما قد هبط إبليس وأنتما، وهو متعادون، أو الأصل: اهبطا أنتما وإبليس بناء على أنهم هبطوا معا وهو ضعيف؛ فإنه - لعنه الله - بعد الإباء لم يدخلها، أو معنى قوله: قال: اهبطا أنتما وإبليس، أمرهم بالهبوط، فيشمل ما لو هبطا فى زمان وهبط فى آخر، أو ضمير الاثنين لآدم وإبليس، وأما حواء فهبوطها تابع لهبوط آدم، وضمير الجمع للثلاثة، أو لآدم وإبليس باعتبار أنهما أصلان لذريتهما، والعداوة بين آدم وحواء وذريتهما، وبين إبليس وذريته، وفيما بين ذرية آدم، وفيما بين ذرية إبليس، بأمر الدين وبأمر الدنيا.
ويدل على أن الخطاب لآدم وحواء قوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّى هُدًى } الخ كذا قيل:
وفيه بحث بأن الهدى يأتى أولادَهما وأولاد إبليس والاتّباع والإعراض يكونان من الكل.
والأصل: فإنْ يأتكم، زيدت ما، وأبدلت نون إن الشرطية ميما، وأدغمت فى ميم ما، وأكد الفعل بالنون، فثبتت الياء لبناء الفعل حينئذ. والهدى: الكتاب والرسول.
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ } وقرأ أبو عاصم الجحدرى وابن إسحاق وعيسى بن عمر هُدَىً بقلب الألف باء وإدغامها فى الياء، وهو لغة هذيل. وحكاها عيسى ابن عمر عن قريش، وحكاها الواحدى فى البسيط عن طيِّئ. ورويت عن النبى صلى الله عليه وسلم قاله الشيخ خالد عن الشاطبى.
{ فَلاَ يَضِلُّ } فى الدنيا عن الدين.
{ وَلاَ يَشْقَى } فى الآخرة.
وقيل: الخطاب فى يأتينكم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. والهدى: القرآن.
قال ابن عباس: مَن قرأ القرآن واتّبع ما فيه هداه الله من الضلالة. ووقاه يوم القيامة سوء الحساب لقوله تعالى: { فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى } فيحتمل استدلاله بالآية هذا القول الأخير ويحتمل الأول، واستدل بها على ذلك لعمومها.