التفاسير

< >
عرض

أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ
٣٩
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ أنِ اقْذِفِيهِ } أن مصدرية إن بنينا على جواز دخولها على الأمر أى بأن اقذفيه أو تفسيرية؛ لأن الوحى فيه على معنى القول دون حروفه. زعم بعضهم أنها تفسيرية تندر الباء معها والقذف والرمى يقالان للإبقاء والموضع نحو: { وقذف فى قلوبهم الرعب } وقول الشاعر:

غلام رماه الله بالحُسن يانعا

أى وضع فيه الحسن { فِى التَّابُوتِ } الصندوق.
{ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ } بحر النيل.
{ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ } شاطئ البحر واللفظ دون المعنى أمر فى الظاهر وفى ذلك مبالغة أو اللفظ والمعنى معاً أمر من حيث إن إلقاء اليم إياه إلى الساحل أمر لا بد من وقوعه لسبق الأزل لذلك فجعل البحر كأنه ذو عقل يأتمر إذا أُمر فأَمره بالإبقاء والباء فى قوله بالساحل بمعنى فى.
{ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِى } هو فرعون والتنكير للتحقير أو لتعظيم العداوة وتكثيرها.
{ وَعَدُوٌّ لَهُ } لو قال: عدو لى وله لصح ولكن أعاد لفظ عدو مبالغة فى العداوة أو لتخالف العداوتين. إن عداوة الله واقعة وعداوة موسى متوقعة
والضمائر كلها لموسى. وفى رجوع الهاء من اقذفيه ويلقه ويأْخذه للتابوت، ورَدُّ الباقى إلى موسى هُجنة تشتيت الضمائر فيتنافر التأليف الذى هو أمر إعجاز القرآن الواقع عليه التحدى، ومراعاته أهم ما يجب على المفسر ولا يخفى أنه ولو كان المقذوف فى اليم الملقيه اليم بالساحل الذى يأْخذه العدو وهو التابوت لكن ذلك للتابوت بالذات ولموسى بالعَرَض ولا ضير فى قولك: ألقى موسى فى اليم فى جوف التابوت وألقاه اليم فى جوفه بالساحل وأخذه فرعون من جوفه.
روى أنها جعلت فى التابوت قطناً محلوجاً فوضعته فيه وسدت الخلل بالجص والنطران ممزوجين وألقته فى البحر وجاء به الموج إلى بركة فى بستان فى دار لفرعون فأَلقاه فى أقرب الماء لحافة البركة أو ألقاه فى الحافة.
ولا ضير بتسمية طَرَف البركة ساحلا. وكذلك يجوز تسمية مائها بحراً وذلك للشبه ولأن ماءها من البحر. ويجوز أن يراد ساحل فيه فم البركة ثم أوصله الماء إلى البركة وفرعون مع زوجه آسية رضى الله عنها ينظر من الساحل أو من موضع فى الدار فأَمر فأُخرج منه صبى أصبحُ الناس وجها صلى الله عليه وسلم.
وسمى الشاطئ ساحلا لأن الماء يسحله أى يقشره فهو فى الأصل إما فاعل بمعنى مفعول وإما من باب تسمية المحل وهو الشاطئ باسم الحالّ وهو الماء.
{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحبَّةً مِنِّى } فى قلوب الناس وكل من رآه أحبه ولما رآه فرعون - لعنه الله - أحبه حبًّا شديداً ولم يتمالك.
وروى أن كل من رآه أحبه لملاحة فى وجهه وعينيه.
وقيل: المراد بالمحبة القبول الذى يضعه الله عز وجل فى الأرض لخيار عباده وكان حظ موسى منه فى غاية الوفر.
قيل وهو الأصح ومنى متعلق بألقيت، أى من نفسى أو بمحذوف نعت لمحبة أى محبة كأمه منى.
ويجوز أن يكون المعنى إننى أحجبتك ومن أحبه الله أحبته القلوب ولا يختص هذا المعنى بتعليق مِن بأَلقيت كما ادعى القاضى تبعاً لجار الله.
{ وَلِتُصْنَعَ } تربى ويحسن إليك فى التربية والعطف على محذوف أى ليتعطف عليك أو تُرأم، أو متعلق بمحذوف أى وفعلتُ ذلك لتصنع.
ويجوز تقديره مؤخراً عن عينى وعلى العطف على محذوف هو متعلق بما تعلق به المحذوف.
وقرئ بالبناء للفاعل بفتح التاء والنون أى وليكون عملك وتصرفك على عينى فلا تخالف أمرى.
وقرئ بالجزم وإسكان اللام وكسرها على أن اللام للأمر.
{ عَلَى عَيْنِى } على رعايتى وحفظى لك فالعين كناية عن الحفظ ولا عين هناك وإن شئت فقل: مجاز مرسل من باب إطلاق اسم الآلة على ما يعمل بها ولا عين أيضاً كذا ظهر.