التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ
٧٧
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى } هذا باتفاق من كلام الله سبحانه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { أَنْ } تفسيرية لأن فى الوحى معنى القول دون حروفه. مَن أجاز دخول المصدرية على الطالب أجاز مصدريتها أى أوحينا إليه الأمر بالإسراء أو بالأمر به.
{ أَسْرِ بِعِبَادِى } بنى إسرائيل من مصر. والإسراء: المشى ليلا. وهو هنا بمعنى السُّرَى وهو أولى من أن تجعل همزة ماضية للتعدية لأدائه إلى كون الباء زائدة.
وقرئ أن أسْرِ بكسر النون ووصل الهمزة من سرى.
{ فَاضْرِبْ لَهُمْ } بالعصى { طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ } أى فاجعل لهم كقولك: ضرب له فى ماله سهماً أو فاتخذ لهم، كقولك: ضرب اللبِن أى اتخذها بأن عملها { يَبَسًا } مصدر كاليبس بضم بإسكان كالعَدم والعُدم والسَّقم والسُّقم وصف به مبالغة، أو لتأويل بيابس أو بذى يبس وللمصدرية وصف به المؤنث والتثنية والجمع بلفظ واحد نحو شاة يبس، أى جف لبنها.
وقرئ يابساً إما على أنه وصف كشز المكان فهو شاز، أى خشن، أو ارتفع أو غير ذلك، أو على أنه مخفف من اليبس بكسر الباء كيقظ فهو يقظ، ويقظ، بكسر القاف وإسكانها، أو على أنه جمع يابس كراكب ورَكْب وصف به المفرد مبالغة، كقولك مِعًى جياع فمعنى واحد الأمعاء، وجياع جمع جائع، وصف به مبالغة فى الجوع، أو وصف به المفرد لتعذره معنى؛ فإنه جَعَل لكل سبط طريقاً.
قال الشيخ هود: قال الحسن: أتاه جبريل على فرس، فأمره فضرب بعصاه البحر، فصار فى البحر اثنا عشر طريقًا، لكل سبط طريق يبس.
وأجاز القاضى كون يبسًا بفتح فإسكان مخففاً من يبس بفتحتين.
قلت: الذى حفظناه أن تخفيف فعل بفتح الفاء والعين بالإسكان نادراً وضرورة، وإنما يخفف فعل بضم العين أو كسرها. ولى فى يبسا فى الآية بحث فى شرح اللامية.
{ لاَ تَخَافُ دَرَكًا } اسم مصدر بمعنى الإدراك، أى لا تخاف أن يدركك فرعون وجنوده من ورائك.
وقرأ أبو حيوة بسكون الراء، وهو كالدرك بالفتح والجملة صفة من طريقاً ثانية والرابط محذوف أى فيه وإن جعلنا فى البحر صفة، فتلك ثلاث صفات ولك أن تجعل الجملة حالا من ضمير يبساً ويبسا حالا من ضمير مستتر فى قوله: { فى البحر } إن جعل صفة لا إن علق باضرب، لأنه لا ضمير فيه حينئذ.
وقرأ حمزة لا تخف بالجزم فى جواب الأمر أو بالنهى.
{ وَلاَ تَخْشَى } عطف على لا تخاف: وأما على قراءة جزم تخاف. فجملة لا تخشى مستأنفة أى ومن شأنك أنك آمن لا خاش، أو معطوفة على لا تخف وثبت الألف الفاصلة، أو وجاء على لغة ذكرها بعض النحاة أن بعض العرب يثبت حروف العلة فى الجزم. وعلامة الجزم على هذه اللغة حذف الضمة المقدرة على الحرف.
قال القاضى: أو حال بالواو، أى على حذف المبتدأ، أى وأنت لا تخشى؛ لأن الحال الذى هو جملة المضارع المنفى بلا ومرفوعه لا يقرن بالواو، قاله ابن هشام خلافا لابن محمد بن مالك والمراد لا تخشى غرقا من البحر أمامك.