التفاسير

< >
عرض

فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي
٨٦
قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ
٨٧
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ } عليهم جميعا؛ لأن منهم من عَبَد العجل، ومنهم من لم يقاتلهم على ذلك، ولم يغلظ عليهم إلا الذين ساروا معه. وإنما رجع حد استيفاء الأربعين ذى القعدة وعشرٍ من ذى الحجة ونزول التوراة.
وقيل: قبل ذلك ثم رجع { أسِفًا } شديدَ حزنٍ بما فعلوا.
وقيل: شديد غضب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: موت الفجأة رحمة للمؤمن، وأخذة أسف للكفر. وعليه الحسن.
{ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا } وعدهم أن يعطهم التوراة وهى صلاح لهم ولأعقابهم دنيا وأخرى، ولا وعد أحسن من ذلك.
وقيل: حسنا معناه: صادق. وهذه نعمة يجب أن تشكروه عليها، فكيف عبدتم غيره؟!
وقيل: المراد الوعد بالثواب فى الآخرة على التمسك بدين. كانت التوراة ألف سورة، كل سورة ألف آية يحمل أسفارها سبعون جملا.
{ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ } الزمان، وهو زمان مفارقته عليه السلام لهم. وقال مجاهد: الموعد { أَمْ أَرَدْتُمْ أَن يَحِلَّ } يجب.
وقال الشيخ هود: إن بعضا قرأه بضم الحاء أى ينزل، وقال أبو عمرو الدانى: الكسر فى هذا مجمع عليه.
ووجه الجمع بينهما أن المجمعين على الكسر القراء السبعة أو العشرة؛ لأن كلامهم فى قراءتهم والقارئ يضمها غيرهم.
{ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ } هو ضد الرضى أو المراد به العذاب. وذلك لأن الغضب سبب العذاب، وهو أولى بقراءة الضم من ضد الرضى والسكر جائز { مِنْ رَبِّكُمْ } لعبادة مّا هو فى غاية الغباوة حتى يضرب به المثل فى الغباوة، وعدم قتال العابدين والتغليظ عليهم، أى أم أردتم فعلا يوجب الغضب. والمراد التوبيخ، فإن الإنسان لا يريد غضب الله.
ويحتمل أن يكون الخطاب فى ذلك كله لعابدى العجل فقط، وهو أنسب بما بعد، فهو أولى، لئلا يجعل الخطاب فيما ذكر عاما، وفيما بعد خاصا بعابديه ولو كانت القرينة موجودة.
{ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِى } مصدر ميمى مضاف للمفعول، أى وعدى، أى وعدكم إياى بالثبات على الإيمان بالله سبحانه، والقيام بما أمرتكم به، أو وعدكم إياى بالمحى بعدى.
ويصح أن يكون اسم زمان أو مكان أى تركتم الزمان الذى تواعدنا أن نحضر فيه أو المكان الذى تواعدنا الاجتماع به. وذلك زمان أخذ التوراة والمناجاة ومكانهما.
وقيل: المعنى فوجدتم الخلف فى وعدى لكم العود، بعد الأربعين، من أخلفت وعده: وجدت الخلف فيه، وهو مضاف للفاعل، ولكن التفسير لا يناسب ترتيب قوله: { فأخلفتم موعدى } على ما قبله، ولا على الشق الذى يليه وهو { أم أردتم } الخ...، ولا يناسب الجواب بقوله: { قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } أى ما أخلفناه بأَن ملكنا أمرنا؛ إذ لو خلينا وأمرنا، ولم يسوّل لنا السامرى لما أخلفناه.
وقرأ حمزة والكسائى بضم الميم، وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسرها ولكل مصادر ملكت الشئ.
ويستعمل المضموم والمكسور بمعنى الشئ المملوك، بل قيل: هذا هو الأصل فى المضموم والمصدرى الكل مضاف للفاعل.
وفسره بعض بالقدرة، وبعض بالأمر من الأمور، وبعض بالاختيار.
{ وَلكِنَّا حُمِّلْنَا } جعلنا حاملين { أَوزَارًا } أحمالا أو أثقالا أو آثاما. والثانى قول مجاهد.
{ مِنْ زِينَةِ } حلىّ { الْقَوْمِ } القبط، استعاروها منهم حين هموا بالخروج من مصر باسم العرس، ولا عرس حقيقة.
وقيل: كان أباحها الله لهم.
وقيل: لا بلى يردونها.
وقيل: استعاروها لعبد ولم يردوها عند الخروج مخافة أن يعلموا بخروجهم.
وقيل: هى ما قذفه البحر من زينتهم بعد إغراقهم ولم تحل لهم الغنائم ولأنهم كانوا مستأمنين تحت القبط وليس للمستأمن أخذ مال الحربى.
والحاصل أنها سميت أوزاراً، إما من الوزر بمعنى الثقل، وهى حمول كثيرة، أو من الوزر بمعنى الذنب؛ لأنهم أخذوها على جهة العاريّة فتملكوها، أو لما ألقاها البحر أخذوها ملكاً ولم تحل لهم، أو لأنهم ألقوها فى النار فصيغت عجلا عُبِدَ من دون الله، ولكن هذا الإلقاء يكون ذنباً إن علموا أن السامرى يريد ذلك.
نعم هو ذنب مطلقا من حيث إنه تصرف فى مال الغير بلا إذنه، أو سموها وزراً لأنها سبب الإثم، من أن العجل بنى بها.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى وروح قيل وأبو بكر بفتح الحاء والميم والتخفيف.
{ فَقَذَفْنَاهَا } طرحناها فى النار بأمر السامرى { فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِىُّ } ما معه منها وللفاء للاستئناف. وكذلك مفعول مطلق لألقى.
وروى أنه قال لهم: إن موسى أخلف ميعادكم لما معكم من حلىّ القوم، وهو حرام عليكم. فالرأى أن نحفر حفرة ونقذفه فيها، ففعلوا وقال لهم: يجئ موسى فيأمرنا بما نفعل به بأمر ربه وبعد ذلك أوقد ناراً وصاغه، لعنه الله
وقيل: قال لهم: نحفر حفرة ونوقد فيها ناراً ونلقيه فيها.
وقيل: إن هارون عليه السلام أمرهم بإلقائه فى حفرة ودفنه فيها حتى يجئ موسى.
وروى أنه مر على السامرى يصوغ فقال له: ما هذا؟ فقال: أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لى فقال: اللهم أعطه ما سألك على ما فى نفسه فألقى تراب حافر فرس الرسول جبريل عليه السلام. واسم فرسه حيزوم فى فم ما صاغ على هيئة العجل، فكان عجلا يخور بدعوته. والصحيح أنه خار بسبب التراب. ولكن لا منافاة؛ فإنه تعالى لو شاء لما أثر التراب فأثره بدعاء هارون.
وقيل: إن هارون لم يدع له أصلا، ولم يعلم بذلك إلا بعد صوغه وخواره.
وقيل: إن السامرى لما قال لهم: ألقوا ما معكم فيها ألقوا، وجعل كأنه يلقى ما معه. ولم يلق ولكنه ألقى التراب فأوحى إليه وليه الشيطان: أنه إذا خالط مواتا كان حيوانا.
وقد مر أن السامرى اسمه موسى، وولد فى وقت الذبح، فألقته أمه فى حبل بعد ما لفته، ورباه جبريل وغذاه لما أزيل به من الخزى.
وذلك أن فرعون لما أمر بذبح الأولاد جعلت المرأة إذا ولدت غلاماً، انطلقت به سراً فى جوف الليل، إلى صحراء أو واد أو غار فى جبل، فتخفيه، فيقيض له ملكا يربيه ويطعمه ويسقيه حتى يختلط بالناس. وكذلك من ولد فى عام الذبح، بعد أن كان يذبح عاما ويترك آخر. وكان السامرى ولى أمره جبريل.
وروى أن الله سبحانه خلق فى إحدى إبهاميه سمنا وفى الأخرى عسلا ومن ثم كان الصبى إذا جاع مص إبهامه فيروى وجعل الله له فيه رزقا.
وروى أن الله وكل به وَعْلاً لبونا تسقيه اللبن بالغداة والعشى حتى كبر وخلط بالناس.
وقيل: وكلها به جبريل. وفيه - لعنه الله - وفى موسى النبى - عليه السلام - قال بعضهم:

إذا المرء لم يخلق سعيدا تخلفت ظنون مريعه وخاب المؤمل
فموسى الذى رباه جبريل كافر وموسى الذى رباه فرعون مرسل