التفاسير

< >
عرض

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ
٨٨
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً } من ذلك الحلىّ المذاب. وليس ذلك من كلامهم فضلا عن كونه التفاتا، وكون الأصل فأخرج لنا { جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ } صوت كصوت البقرة، عند ابن عباس والحسن وقتادة والجمهور وهو الصحيح.
وقيل: كصوت الريح، وهو قول مجاهد.
والمراد أنه على صورة عجل جسد بلا روح، ولكن له خوار، وهذا الخوار إما لروح كانت فى بعضه، وإما لجعله له مخارق ومنافذ وأنابيب إذا دخلها الريح صاقت كالعجل، كما قال بعضهم بذلك، وأنه لا تظهر هذه الخارقة على يد ضال.
فمعنى قوله { عجلا } على تقدير مضاف ومجاز صورى.
ومعنى قوله { جسدا } أنه لا روح فيه؛ فإن الأصل فى الجسد أن يكون بلا روح. ومثله ما قيل: إن معناه جسد لا يتغذى.
وقال ابن عباس والسدى: بل انقلب الحلىّ بعد صوغه عجلا جسدا لحمًا ودمًا يمشى ويخور كالعجل. وكانوا يسجدون له ما دام يخور، فإذا ترك الخوار رفعوا رؤوسهم.
ولا يعترض هذا بأنه ملبس، فكيف يكون لأنه قد أعد الله من يمحقه، ويزيل أثره، وهو موسى.
وبعد. فأَقْبِحْ بإله حظه من الكلام الخوار، ومثله كمثل سائر الثيران التى خلقها الله ومَن يعبد هذا فلِمَ لا يعبد سواه. وأيضا صائغه لم يدَّع الربوبية بذلك، قيل: تأثير التربة فى إحياء الموات كرامة لروح القدس، إذا باشر حافر فرسه تربة ولافت تلك التربة جمادا كان إن شاء الله حيوانا كما أنشأ عيسى عليه السلام من غير أب بالنفخ فى الدرع، وخلق هذا العجل فتنة يضل بها الكافر، ويثبت معها المؤمن بالقول الثابت. ومن عجب من خلقه فليعجب من خلق إبليس.
وقيل: خار مرة واحدة.
وقال وهب: كان يخور ولا يتحرك. والصحيح أنه كان لحما ودما وروحا يخور ويمشى وفيه الشعر بقدرة الله. وبه قال السدى وعليه فقد استعار لفظ العجل للحيوان الذى خلقه الله من حلىّ القبط، والجامع الشكل.
وروى أنه لما مضت ثلاثون ليلة قال السامرى: ابتليتم بالأجل وما أنتم فيه من أجل الحلىّ الحرام فهاتوه، فأعطوه فصاغه.
وقيل: وقَّت الله لموسى ثلاثين، فلما أتمها بعشر قال السامرى: بليتم بالزيادة لهذا الحلىّ فهاتوه فصاغه.
وروى أنه نافق بعد الخروج من البحر.
{ فَقِالُوا } السامرى ومن افتتن به أول ما رآه: { هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى } وكانوا أحبوه حبا لم يحبوا شيئا مثله.
وقيل: القائلون: من فتن به أول ما رآه لمن لم يره ثم من رآه بعد لغيره. { فَنَسِىَ } أى نسيه موسى، أى هو موسى لكنه نسيه، وذهب يطلبه عند الطور.
وقيل: النسيان هنا بمعنى الضلال عن الطريق، أى هذا الذى فى طلبه لكن ضل الطريق.
وقيل: قوله: فنسى من كلام الله، أى ترك السامرى ما كان عليه من التوحيد، أو ما رأى من الآيات الدالة على الله كشق البحر.
وقيل: ترك ما كان عليه من إظهار التوحيد، وهو المناسب لكونه منافقاً. وعليه فيحتمل أن يكون النسيان مقابل التذكر، أى زال من حافظته ما كان عليه. من إظهار التوحيد، فصرح بالشرك.