التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً
٩٧
-طه

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ قَالَ } موسى: { فَاذْهَبْ } يا سامرى من بيننا { فَإِنَّ لَكَ فِى الْحَيَٰوةِ } فى مدة حياتك عقوبة على ما فعلت { أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } مصدر ماسَّ أى لا يمسنى أحد ولا أمسه لئلا تصيبنى الحمى, وكان إذا مسه أحد أو مس أحداً ولو بلا عمد أصابتهما الحمى معاً.
وروى أنه كان يقرض بدنه بالمقراض إذا مسه أحد أو مس أحداً. وكان لذلك طريداً وحيداً، وحرَّم على الناس أن يكلموه أو يبايعوه أو يلاقوه ملاقاة مّا. ولا عقوبة أعظم من ذلك. وكذلك عشيرته سامرة، وذلك باق فيهم إلى اليوم.
قال الشيخ هود: يقولون إلى الآن بأرض الشام: لا مساس.
وقرئ لا مساسٍ بكسر السين غير سنون مبنياً علماً لجنس المس كفَجَارٍ.
{ وَإنَّ لَكَ مَوْعِدًا } فى الآخرة زيادة على عقوبة الدنيا. والموعد: مصدر أى وعداً، أو اسم زمان، وهو يوم القيامة، أو اسم مكان وهو جهنم.
{ لَنْ تُخْلَفَهُ } لن يمنعك الله عنه، بل لا بد أن يحضره إليك، والغائب مستتر، والهاء مفعول آخر. وقراءة ابن كثير وأبى عمرو بكسر اللام. قاله أبو عمرو الدانى
وقال القاضى: هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو وبصرى آخر، اى لن تغيب عنه، ولا بد أن تلقاه، من أخلف بمعنى خلف، أو من أخلف المتعدى لاثنين، والأول محذوف، أى لن تخلف الواعد إياه، واختصر على الثانى لأنه الغرض، أو من أخلف الوعد، إذا وجد فيه خلفا.
وقرأ ابن مسعود بالنون وكسر اللام، حكاية لقول الله جل ثناؤه على حد
{ لأهب لك غلامًا زكيًّا } أو النون لموسى؛ لأن الموعد ولو كان بيد الله لكن موسى عليه السلام قد لابسه، وكان بلسانه، ولا بد من حضوره مع السامرى فيه.
{ وانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ } نظر نثبت وتيقن؛ فإنك تراه بعد الساعة فانياً لا أثر له كأن لم يكن، أو نظر وداع ولا ضير بذلك الأمر؛ لأن المراد إعلامه باضمحلاله.
{ الّذِى ظَلْتَ } دمت أو صرت، وأصل فعل الشئ نهاراً فقط وأصله ظللت بكسر اللام الأولى، حذفت تخفيفا، وخصت بالحذف لأنها تدغم.
وقيل: حذفت الثانية لحصول التكرار بها.
وقرئ بكسر الظاء نقلا من اللام المحذوفة، وهو لغة تميم، ولأول لغة الحجاز.
وزعم ابن جنى أن النقل لغة الحجاز وترْكه لغة تميم. قاله الشيخ خالد.
{ عَلَيْهِ عَاكِفًا } مقيما على عبادته { لَنُحَرِّفَنَّهُ } بالنار كما يدل عليه قراءة لنحرقنه، بضم النون وإسكان الحاء وكسر الراء.
وقرأ ابن مسعود لنذبحنه ولنحرقنه، بالضم فالإسكان فالكسر.
وأجاز الفارسى فى قراءة التشديد أن تكون من حرَقه بفتح الراء بمعنى بَرَدَه بالمِبرد، وشدد للمبالغة ويدل له قراءة ابن عباس رضى الله عنهما وعلى لنحرقنه بضم لراء، أى لنبردنه بالمبرد
{ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ } لنُذرينَّه { فِى الْيَمِّ } البحر، أو الماء الغمر. { نَسْفًا } أو لنذرينّه فى هواء اليم.
وقرئ بضم السين. والظاهر أنه إن لم ينقلب لحما ودما لا يؤثر فيه الإحراق فيصير رماداً ينسف.
فالتحقيق إنما هو التبريد بالمبرد، اللهم إلا أن يكون الإحراق بالنار لمجرد الإهانة والإذابة والنسف مستعار لإلقائه فى اليم مذابا، أو يفعل به ما يكون به رماداً، مع أنه غير دم ولحم، أو هو دم ولحم كما هو نص قراءة ابن مسعود. وصرح به الكلبى، فذبَحه وأحرقه، وبرَد عظامه كذا قيل. وفيه أن العظام تقبل الإحراق حتى تصير رمادا، فلا يصح توجيهها وإنما هو تفسير من تفاسير مقبول مبنى على القراءة التي بمعنى البرد بالمبرد. قيل: ذبحه موسى فسال منه دم.
قال مكى: إن موسى عليه السلام كان مع السبعين فى المناجاة، وحينئذ وقع أمر العجل، وإن الله أعلم موسى بذلك، فكتمه موسى عنهم، وجاءهم حتى سمعوا لفظ بنى إسرائيل حول العجل، فحينئذ أعلم اهـ.
وقيل: هذا ضعيف. والجمهور على خلافه، وإنما تعجل موسى وحده، فوقع أمر العجل، ثم جاء موسى، وصنع ما صنع بالعجل، ثم خرج بالسبعين على معنى الشفاعة فى بنى إسرائيل، وأن يطلعهم على المناجاة، فكان لموسى نهضتان.