التفاسير

< >
عرض

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ
١٠٩
-الأنبياء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَإِنْ تَوَلّوا } عن التوحيد والإسلام.
{ فَقُلْ آذَنْتُكُمْ } أعلمتكم، من أَذِن بمعنى عَلِم. دخلت عليه همزة النقل، لكن كثر استعماله فى الإخبار والإنذار، أى آذنتكم بما أمرنى ربى، أو بالحرب؛ إذ توليتم عن الإسلام والتوحيد.
{ عَلَى سَوَاءٍ } حال من الفاعل والمفعول، أى كائنين على استواء فى لإعلام. أعلمكم ربى بلسانى، كما أعلمنى بلسان جبريل، بما أمرتكم به من التوحيد والإسلام، أو الحرب، أو على استواء فى علم ذلك، ولست مختصا به دونكم؛ لتتأهبوا. فهو معهم، كرجل بينه وبين أعدائه هدنة، فأَحس منهم بغدر، فنبذ إليهم العهد، وشَهَر النبذ وأعلمهم جميعا بذلك. والحال مقدرة؛ فإن الاستواء إنما حصل بعد تمام الإعلام.
ويجوز تعليقه لمحذوف، ونعت لمصدر محذوف، أى إيذانا ثابتا على سواء، أو حال من الفاعل، أى أعلمتكم، وأنا على عدل، واستقامةِ رأى بالبرهان، لا كاذبا.
وقدر بعضهم: آذنتكم أنى على سواء.
{ وَإنْ أَدْرِى } أى ما أدرى.
{ أَقَرِيبٌ } مبتدأ، وفاعله المغنى عن الخبر محذوف، أى ما توعدون، أو يقدر ضمير منفصل عائد لما.
{ أَمْ بَعِيدٌ } مبتدأ { مَا تُوعَدُونَ } فاعل أغناه عن الخبر.
ويجوز كون ما توعدون المذكور فاعلا لقريب، وفاعل بعيد محذوف. وأولى من ذلك جعل قريب خبرا مقدما، وبعيد معطوفاً عليه، عطف مفرد على مفرد، بخلافه على ما سبق، فعطف جملة على أخرى، وما مبتدأ مؤخر، لسلامته من الحذف ولا سيما أن الفاعل على الصحيح لا يحذف، ولو لدليل، إلا فى مواضع مخصوصة. نعم يصح التنازع، فيعمل المهمل فى ضمير ما، وما فاعل للمعمل، أغنى عن خبره، لكن فى ذلك أيضا إشكال، ظهر لى بعد ما قلت ذلك؛ فإن الوصف إنما يرفع ظاهرا أو ضميرا بارزا منفصلا، يغنى عن خبره، لا ضميرا، مستترا.
وإن قيل: إن المهمل عمل فى منفصل محذوف، فقد علمت أن الفاعل لا يحذف.
وأجاز الكسائى حذف الفاعل من المهمل، إذا كان ضميراً. واطلعت بعد هذا على أن ابن هشام والصبان بحثا فى المسألة كبحثى ذاك ولكنه سُمع: أقائم الزيدان أم قاعدان؟ بعطف. فقال ابن هشام: قاعدان مبتدأ فيه ضمير مستتر، مغن عن الخبر، توسعا فى الثوانى فيجوز مثله فى الآية، لكنه ضعيف. والذى توعدون هو غلبة المسلمين عليهم، من الإبعاد، أو الوعد؛ لجواز استعمال الوعد فى الشر بقرينة، أو الذى يوعدون: البعث. والمراد: أنه لا محالة كائن.