التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
-الأنبياء

هميان الزاد إلى دار المعاد

{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ } كالنص فى أن سبب استجابته دعاؤه المذكور.
قال الحسن: والله ما نجَّاه إلا إقراره بالظلم على نفسه. وأما ما تقدم من شفاعة الملائكة، فمعناه أنها سبب لتأثير دعائه فى الإجابة، أو شفَعُوا ولم يُشفَّعوا، بل نجَّاه الله بدعائه.
{ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } غم الالتقام، أو غم الخطيئة نجَّاه بأن أمر الحوت، فقذفه فى الساحل كالصبى، فأصابته حرارة الشمس. فأنبت عليه شجرة من يقطين فنام فاستيقظ وقد يبست فحزن.
فأوحى الله إليه بلسان جبريل عليه السلام: حزنت على الشجرة، ولم تحزن على مائة ألف أو أزْيد. فانطلق إليهم. فقال للراعى: اسقنى لبنًا.
فقال: ما ها هنا شاة لبن، فمسح بيده على ظهر واحدة فدرَّت. فشرب من لبنها.
فقال له الراعى: مَن أنت يا عبد الله؟
قال أنا يونس.
فانطلق إلى قومه فبشرهم، فأخذوه وجاءوا به إلى الموضع فلم يجدوه. فقالوا: شَرَطْنا لربنا أن لا يكذب منا أحد إلا قطعنا لسانه. فتكلمت الشاة بإذن الله عز وجل. فقالت: قد شرب من لبنى. فقالت الشجرة: قد استظل بى. فطلبوه فأصابوه، فكان معهم حتى مات فى مدينتهم نِينَوَى، من أرض الموصل على دِجلة.
وروى أنه ألقى نفسه فى دِجلة وأنها البحر، وأن الحوت ذهب به إلى البحر الكبير، ثم رجع فألقاه بساحل دجلة. ونسبت هذه الرواية لابن عباس.
{ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِين } من غمهم إذا استغاثوا بنا. هى فى مصاحفنا مكتوبة النون الثانية حمراء إشارة إلى إخفائها. وفى مصحف عثمان نجى بنون واحدة وجيم مشددة وياء ساكنة. وهى قراءة ابن عامر وأبى بكر.
قال الشيخ خالد: فى قراءة عاصم وابن عامر. أصله ننجى بنونين، حذفت الثانية تخفيفا للتكرار، فإنه ولو اختلفت الحركة لكنِ الحرفان واحد، والضمة دليل على أن المحذوف الثانية، وبها حصل التكرار، فهى أحق بالحذف ولو كانت أصلا، وهى فاء الكلمة، والإدغام متعذر. ولم تحذف تاء فى تتجافى للَبس.
وقيل: هو فى قراءتها ماض مبنى للمفعول، وأنه لا حذف، وأن النائب ضمير المصدر.
ويرده أن ياء الماضى الأخيرة لا تسكن وصلا وسعة، وإنما يخفف آخره بالإسكان فى الشعر، أو يسكن وقفًا، وأن المصدر لا يسند إليه مع وجود المفعول به، على الصحيح.
وإن قلت: لو كان كذلك لقيل: نجيت بالتاء؛ لأن المصدر الذى رجع إليه الضمير التنجية.
قلت: هو من نجا ينجو، ضُعِّفت عينه، وبُنى للمفعول، ورجع الضمير للنجاة، قاله ابن هشام.
وأجيب بأَن ذلك الإسكان لغة قرأ بها الأعمش:
{ { فنُسِّىْ ولم نجد } والحسن: { { ما بقىْ من الربى } وأنه قد ينوب غير المفعول به مع وجوده. وأنه قد ينوب غير المفعول به مع وجوده.
ورُدَّ أيضًا: بأن ضمير المصدر إذا كان مفهوما من الفعل لا ينوب.
وأجيب بورود نيابته فى:
{ { وحِيلَ بَينَهم } }. قال هو والشيخ خالد: وقيل: الأصل: ننجى بسكون النون، أدغمت فى الجيم، كإِجاصة واحدة الإجَاص، وأجاصة: قصرية يغسل ويعجن فيها. يقال: إنجاصة وإنجائة، لغة بما فيه أنكرها الأكثرون.
قال: وإدغام النون لا يكاد يعرف.
قال الشيخ خالد: لأن النون تخفى عند الجيم ولا تدغم.
وقرئ فنجى بنونين والتشديد.
وزعم بعضهم أن هذه الواقعة كانت قبل نبوة يونس - عليه السلام - جوابا عما نسب إلى نفسه من الظلم.
قلت: قد مر معنى ظلمه، ومِثله يجوز صدوره من الأنبياء.
والحق أن النبى معصوم من الكبيرة، قبل النبوة وبعدها.
قالوا:
{ { وذا النون } - إلى { { خاشعين } لزوال الهم والكيد وضيقِ الأسباب.
وروى: من ضاقت حالته دنيوية، أو أخروية، فليرجع إلى الله ويتب.، ويستغفرْ، سبعين مرة، ويُصَلِّ على النبى صلى الله عليه وسلم كذلك، ثم يتوضأْ ويُصلِّ ركعتين بالفاتحة وغيرها فإذا سلم استغفر وصلى - كما مر - وقرأ: { قال لهم الناس إن الناس - إلى - الوكيل } { وأيوبَ إذ نادى - إلى العابدين } { وذا النون - إلى - المؤمنين } و { فستذكرون ما أقول - إلى - العذاب } و { فإن تولوا فقل حسبى الله } الخ وسأل حاجته.
وقالوا: من أصابه هَمٌّ فليكتب فى قرطاس ويُلْقِه فى الماء الجارى: بسم الله الرحمن الرحيم: من العبد الذليل إلى المولى الجليل. رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين. اللهم بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم اكشف ضرى وهمى، وفرِّج عنى غمى.